اخبارك الان

كارثية الترميز وحشد الأتباع: دروس من الصحوة ! - اخبارك الان

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كارثية الترميز وحشد الأتباع: دروس من الصحوة ! - اخبارك الان, اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025 12:41 صباحاً

حين يُرفع الشخص فوق الفكرة، ويرسّخ الولاء والتبعية لاسم ورسم، نكون أمام أخطر معضلات الوعي وهي ترميز الشخص وحشد الأتباع حوله، وتحريك الغوغاء وهذه الظاهرة كانت حكرًا على مرحلة «الصحوة» الدينية التي عصفت بمجتمعاتنا العربية في نهاية القرن العشرين، حتى أصبحت نموذجًا كاشفًا لانهيار البنية العقلية للمجتمع حين تتحول الفكرة إلى شخص، والرمز إلى وصي على العقول، وطمس أي فكرة أخرى عندما تَشَكّل حول هؤلاء «الرموز» جيلٌ كامل لم يُعطِ نفسه فرصة التفكير خارج أطر ما يقدمه «الواعظ»، وتم ربط كل نقد له أو لهم بـ«عداء للدين» أو «خروج عن الثوابت» وفسق وزندقة إلخ، فتحول النقد إلى جريمة فكرية، والرأي إلى ارتياب وتشكيك في جوهر الدين وثوابته !

الشخصنة في الفكر داءٌ خبيث اكتوينا به، والتعبئة ضد المخالف بالرأي معضلة تؤجج الكراهية ومخرجات بغيضة تصيب العقول بالشلل النقدي فتتحول الفكرة إلى وجه، والموقف إلى نبرة صوت، والنص إلى فتوى والرأي إلى مشادة، ومع الوقت، تنشأ طبقات من الأتباع لا يتبعون الفكر، بل يتبعون الأشخاص، فيختلط الولاء العقائدي بالولاء الشخصي، وتفقد المبادئ مرونتها وواقعيتها ويتحول الحوار إلى معارك فكرية تتفرع إلى معارك أخرى (عنصرية، طائفية إلخ).

نشهد جميعاً حراكاً غوغائياً على منصات التواصل وبالأخص في مساحات (x) من مهاترات وسجالات هزيلة تعتمد بشكل كلي على الشخصنة والتحريض وإسقاط المخالف وتشويهه، وهذا ليس بالأمر الجديد ولكن التطور الذي لاحظته -وربما لاحظه غيري- هو ترميز بعض الأسماء ليس دينياً أو سياسياً أو أو ... لا لا بل ترميز بلا أية معايير فكرية سوى الأذية والتراشقات وتبادل الاتهامات فيرتفع اسم فلان (الكفو) الذي أسقط فلاناً أو فلانة ونشر تفاصيلهم الشخصية أو فضحهم بما فيهم أو ما ليس فيهم، أما قواميس اللغة في هذه المهاترات فحدث ولا حرج، فالترميز يفوز به صاحب أقذع المفردات وأدنى الألفاظ ليعتلي المنصة ويحشد الغوغاء ليصبح أبو فلان أو أم فلان الكفو الذي ألجم فلاناً وفلانة وألقمهما حجراً... ألا يذكركم هذا بمرحلة ما...؟!

هنا؛ يتحتم علينا قراءة التاريخ بوعي ثم تجاوز ظاهرة الترميز، فالمجتمعات الحرة لا تُبنى على الأتباع، بل على المواطن المخلص، ولا على المريدين، بل على تجارب وإرث المفكرين، وحين نعي أن الصحوة -مثلاً- لم تكن مجرد حركة دينية وعظية، بل كانت مشروعاً سياسياً مقنّعاً بغلاف ديني، سعى دهاقنتها المُرمزون إلى إعادة تشكيل هوية المجتمع وتوجيه ولائه نحو أهدافهم التي في ظاهرها فكرية وفي جوهرها سياسية إخوانية معاصرة وكانت الجماهير الصحوية تسير خلف «الرمز» وهي مستعدة للدفاع عن رأيه حتى لو خالف النص، وتبرر سقطاته حتى لو خالفت الأخلاق؛ حينها سوف تستقر في العقول ثقافة نبذ التبعية واستنتاج مآلاتها (اللا أخلاقية) والاتكاء على المنطق ومخرجات الواقع الحقيقي دون أي تغييب للوعي ودون أي إحلال للعاطفة مكان (العقل) حتى وإن سلمنا بأن الحالة الآنية فوضوية ودون أجندات، فالمجتمعات المتوازنة هي من يُعلي من قيمة المؤسسات لا الأفراد، والأفكار لا الوجوه، والحوار لا التلقين، وهي التي تحتفي بالمبادئ لا بالأصوات، وبالعقل لا بالهالة، وتعرف جيداً أن القدوة ليست معصومة، وأن الفكر لا يُختزل في شيخ ولا مفكر ولا غوغائي يعتلي منصة، فالرموز زائلة، والوعي وحده هو الباقي.

نعم، ترميز الأشخاص ليست ظاهرة جديدة، لكنها انتشرت في عصرنا بسب تأثير الإعلام ووسائل التواصل، حيث تُصنع «الرموز» بسرعة وتُهدم أيضاً بسرعة. الدرس الأهم هو أن الأفكار يجب أن تقاس بقيمتها، لا بمن يقولها وأن النقد الموضوعي ليس عدواناً، بل ضرورة لاستمرار أي نهضة حقيقية، وأن الصوت والحجة والكاريزما ليست بالضرورة قوة، بل قد تكون غطاء لعقل عارٍ من الأخلاق أو شخصية منبوذة.

أخبار ذات صلة

 

أخبار متعلقة :