في كل مرحلة من عمر الدولة الأردنية، كانت وما زالت الهوية الوطنية تشكل العمود الفقري الذي تستند إليه وحدة المجتمع وتماسكه، ولم يعبر عنها بالشعارات فقط، كانت نتاجًا لتاريخ مشترك، وتضحيات ممتدة، وشعور جمعي بأن الأردن هو البيت الكبير الذي يتسع لجميع أبنائه.
ومع تغير السياقات وتعدد التحديات، برزت الحاجة أكثر من أي وقت مضى لإعادة تأكيد الهوية الأردنية الواحدة، بوصفها حجر الأساس في صون الوحدة الوطنية، خاصة في ظل خطابات قد تتباين في توجهاتها، وتؤثر سلبًا أو إيجابًا في تشكيل وعي المواطن الأردني.
إن الخطاب الوطني، سواء في الإعلام أو التعليم أو السياسة، يلعب دورًا محوريًا في بناء الانتماء وتعميق الشعور بالمواطنة، وعندما يكون هذا الخطاب واضحًا، صادقًا، ويُعزز قيم العدالة والمساواة والانتماء، فإنه يُعيد إنتاج الهوية الأردنية كهوية موحدة، جامعة، قوية.
فالهوية لا تُفرض لكنها تُبنى من خلال رواية جماعية تُكرس عبر الخطاب اليومي: في حديث المسؤول، في درس المدرسة، في تغطية الصحفي، وفي منشور المواطن، كل كلمة تحمل طاقة إما للبناء أو للتشويش، وإما لتقوية الوحدة الوطنية أو إضعافها.
شهدنا في محطات عديدة لحظات تأزيم، مردّها أحيانًا اختلاف في الخطاب أو ضعف في القدرة على إيصال رسالة وطنية جامعة، لكننا شهدنا أيضًا لحظات مضيئة، كان فيها الأردنيون جسدًا واحدًا: في مواجهة الأزمات، في الاستحقاقات الوطنية، في الإنجازات الكبرى، وفي كل مرة، كانت الهوية الأردنية الواحدة هي القاسم المشترك.
نحتاج اليوم إلى خطاب وطني عقلاني، واعٍ، غير إقصائي، يرسخ الانتماء للدولة الأردنية، ويرفع من مكانة المواطن بوصفه شريكًا فاعلًا في البناء، هذا الخطاب لا يُقصي أحدًا ولا يختزل الوطن في زاوية، بل يُعلي من قيمة الإنسان الأردني أيًا كان موقعه.
ففي المدرسة، يجب أن يُدرَّس الطالب أنه ينتمي إلى وطنٍ صنعه الأجداد بالتضحية، ويحفظه الأبناء بالعمل والمشاركة، وفي الإعلام، يجب أن يُقدم الأردن بصورة جامعة، تُبرز التعدد كقوة، وتُعلّي من قيمة المواطنة كهوية أولى.
إن التوازن بين احترام التنوع وبين ترسيخ الهوية الأردنية الواحدة لا يعني التنازل عن أي مكون، بل يعني أن ما يجمعنا أكبر من كل ما قد يفرقنا، وأن الخطاب الوطني هو الوسيلة الأنجع لتعزيز هذه الحقيقة.
إن الانتقال من لحظات التأزيم إلى البناء يتطلب وعيًا بخطورة الخطاب، وبقوة الكلمة، اليوم، أمامنا فرصة تاريخية لنُعيد صياغة خطاب وطني يليق بالأردن، ويعزز الهوية الأردنية الواحدة كضمانة للمستقبل، وجسر للعبور إلى مزيد من الاستقرار والازدهار.
فالهوية لا تُفرض، بل تُحيا في القلب، وتُعبر عنها الأفعال، وتُكرسها الكلمات، والأردن سيبقى واحدًا، بقلوب أبنائه، ووعيهم، وانتمائهم الأصيل من وإلى تراب هذا الوطن الذي لا يقبل الانتماء لغيره.
واختتم حديثي بالجملة التالية "حين يكون الخطاب وطنيًا، تصبح الهوية الأردنية درعًا للوحدة، لا ساحةً للخلاف."
لأننا أبناء وطن واحد، يجمعنا الانتماء، ويقودنا الأمل.
أخبار متعلقة :