نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إيران بين طبول الحرب ولغة الحوار - اخبارك الان, اليوم الاثنين 7 أبريل 2025 08:10 مساءً
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
في زحمة التحولات الإقليمية ووهج التصعيد الأمريكي، تبدو إيران اليوم في وضع لا تحسد عليه. فالدولة التي بنت مشروعها الإقليمي على حلفاء عابرين للحدود، وأدوات تتراوح بين السلاح والأيديولوجيا، تجد نفسها محاصرة بين شبح الحرب التي قد تندلع في أي لحظة، وبين حوار تفرضه واشنطن بشروط أقرب للإملاءات منها إلى التفاوض المتكافئ، أمام هذا الواقع تُطرح أسئلة جوهرية هل انتهى زمن النفوذ الإيراني المتغلغل؟ وما انعكاسات تقهقر طهران على الخريطة العربية؟ وهل يملك العرب فرصة لإعادة التوازن في حال طُويت صفحة المشروع الإيراني؟
إيران تتحدث عن الحوار بلغة المرتاب
رغم التصريحات التي تصدر من طهران بين الحين والآخر حول الاستعداد للحوار بشأن برنامجها النووي، إلا أن تلك التصريحات تأتي محمّلة بكثير من التحفظ، وأحيانًا الغموض. ففي تصريح له نُشر عبر وكالة “إرنا” الإيرانية في فبراير الماضي، قال علي باقري كني، وزير الخارجية بالإنابة “إيران لا تمانع الحوار، شرط أن يتم على قاعدة الاحترام المتبادل ورفع العقوبات الجائرة”. لكن هذه اللغة الدبلوماسية لم تقنع واشنطن، التي ترفض أي شروط مسبقة من طهران.
بالمقابل، جاء رد واشنطن أكثر صرامة ووضوحًا، وهو رد متكرر من زمن باراك أوباما وهو أن “الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي وإذا فشل الحوار، فكل الخيارات ستبقى مطروحة”. هذا التباين في الخطاب يكشف عمق الفجوة، ويضع احتمالات التفاهم على المحك.
ومع تفكك الحلفاء نشهد الآن بوضوح الصمت من طهران، ومما يعزز فرضية التراجع الإيراني هو الانكماش التدريجي لأذرعها الإقليمية، وصمتها المريب أمام الهزائم المتلاحقة لحلفائها في اليمن، وقد تواردت أنباء عن انسحاب ملحوظ للمستشارين العسكريين الإيرانيين، وهو ما أكدته صحيفة وول ستريت جورنال، التي نقلت عن مصادر استخباراتية غربية أن “إيران بدأت بتقليص وجودها المباشر عقب ضربات أمريكية مكثفة استهدفت مواقع الحوثيين”.
وفي لبنان، تتلقى ميليشيا حزب الله ضربات إسرائيلية مركزة، فيما يلوذ المسؤولون في طهران بالصمت. أما غزة، حيث كانت طهران تتباهى دومًا بدعمها لحماس، فقد باتت ساحة مفتوحة للخسائر، من دون غطاء سياسي أو إعلامي من الجمهورية الإسلامية.
هذا التراجع لا يبدو وليد اللحظة، بل جزءًا من مراجعة اضطرارية لمشروع إقليمي بات أكثر كلفة وأقل فعالية. لم تعد طهران قادرة على تمويل، أو حتى تغطية، جبهاتها المتعددة كما في السابق مما يوحي بنهاية مشروعها وبداية الانعزال، رغم أن بعض المحللين يعتبرون الحديث عن نهاية المشروع الإيراني سابقًا لأوانه، إلا أن المؤشرات على الأرض توحي بانكماش نفوذها السياسي والعسكري. ففي مقابلة له مع قناة DW، أكد الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، علي صدرزاده، أن “إيران تواجه أزمة استراتيجية مزدوجة، خارجية تتمثل في الضغط الأمريكي المتصاعد، وداخلية في شكل أزمات اقتصادية وغضب شعبي مكبوت”.
إذًا، نحن أمام تحول في الدور الإيراني، لا بالضرورة انسحابًا كاملًا، بل ربما إعادة تموضع تبحث فيه طهران عن نموذج أقل تكلفة وأكثر تكيّفًا مع المتغيرات.
أما الاحتمال الكارثي وهو الحرب، سيظل معلقا لنرى بوادره في حال فشلت مساعي الحوار، لذلك فإن التصعيد العسكري سيبقى خيارًا مطروحًا، وإن كان مستبعدًا في المدى القريب. فالحرب ضد إيران لن تكون خاطفة أو محدودة، بل قد تتسبب في زعزعة استقرار الإقليم بأكمله. الجنرال فرانك ماكنزي، القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية، حذر في مقابلة صحفية من أن “مواجهة شاملة مع إيران ستفتح جبهات لا يمكن السيطرة عليها، وقد تطال مصالح حيوية في الخليج والبحر الأحمر وشرق المتوسط”.
إيران من جهتها تراهن على أن كلفة الحرب ستكون باهظة للجميع، لذا فإنها تميل إلى خيار “الصمود الاستراتيجي” مع محاولة كسب الوقت، ومن هنا تأتي فضيلة الحوار الذي من الممكن اعتباره محتملًا، فإن نجاح حوار مشروط قد ينعكس إيجابيًا على الواقع العربي، إذا أجبرت إيران على خفض التصعيد وسُمح لها بالعودة إلى الاقتصاد العالمي مقابل كبح مشروعها النووي وتفكيك ميليشياتها، فقد يكون ذلك بداية لهدوء نسبي في أكثر من ساحة.
سوريا، اليمن، العراق، ولبنان كلها ساحات مرهقة بفعل تدخلات طهران، وقد يكون ضبط إيقاعها بداية استعادة تدريجية للدولة الوطنية، كما أن انخفاض مستوى التوتر قد يعزز فرص التسويات السياسية ويعيد التوازن إلى العلاقات العربية الإيرانية على أسس أكثر عقلانية،
لكن هذه النتيجة تبقى مرهونة بضمانات دولية حازمة، وآليات مراقبة تمنع طهران من استغلال الاتفاق كغطاء مؤقت قبل استئناف نفوذها.
وفي الميزان العربي نجد أنها فرصة تاريخية.. حيث التراجع الإيراني – إن اكتمل – قد يكون لحظة نادرة للعرب لإعادة ترتيب أوراقهم وبناء تحالفاتهم على أسس صلبة، فللمرة الأولى منذ سنوات، يبدو أن نفوذ طهران يتراجع دون حرب، وهو ما يمنح الدول العربية فسحة للمبادرة بدلا عن ردّ الفعل.
لكن في حال غياب مشروع عربي جامع، فإن الفراغ الذي قد تتركه إيران، لن يبقى فارغًا طويلًا، فالتاريخ لا يعترف بالفراغ، بل بمن يملأه.
وعلى ذلك نجد ان إيران تقف اليوم عند مفترق طريق حرج فإما أن تنكفئ وتعيد تعريف دورها الإقليمي بمرونة، أو تمضي في تحدٍ قد يكلّفها الكثير، أما العرب فإنهم أمام فرصة لإعادة صياغة المعادلة برمتها… فهل يمكن ذلك؟
0 تعليق