نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
البابا لاوون الرابع عشر: من مسيرة متواضعة إلى رأس الكنيسة الكاثوليكية... هل كان البابا فرنسيس ناخبه الأول؟ - اخبارك الان, اليوم السبت 10 مايو 2025 09:18 صباحاً
إن المقالات المنشورة في خانة "مقالات وآراء" في "النشرة" تعبّر عن رأي كاتبها، وقد نشرت بناء على طلبه.
في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، يُعتبر انتخاب البابا حدثًا مفصليًا يحمل في طياته معاني كبيرة ليس على مستوى الكنيسة فحسب، إنما على مستوى العلاقات الإنسانية والاجتماعية في العالم أجمع. وكان انتخاب البابا لاوون الرابع عشر حدثًا استثنائيًا في جوانب عدة، لاسيما منها بسبب السرعة التي حصلت بها عملية الانتخاب، وهو ما أثار تساؤلات عن الشخصية التي تم اختيارها لهذا المنصب الكبير.
من كاهن إلى بابا
البابا لاوون الرابع عشر وُلد في 14 أيلول 1955 في شيكاغو، بالولايات المتحدة الأميركية. نشأ في بيئة دينية محافظة، حيث كانت التربية الروحية جزءًا من حياته اليومية. منذ أعوامه الأولى، بدأ دراسات الرياضيات فتعلّم منها قوة المنطق ولكنه أبدى اهتمامًا أكبر بالشؤون الروحية، ما دفعه للانضمام إلى دراسات لاهوتية متقدمة في وقت مبكر. وبعدما تلقى تعليمه اللاهوتي، تمت سيامته ككاهن في العام 1980، ومنذ تلك اللحظة بدأ رحلته في خدمة الكنيسة. خلال فترة كهنوته، تميز لاوون الرابع عشر بتركيزه على تعزيز القيم المسيحية في المجتمع، وكان يولي اهتمامًا خاصًا بالأعمال الخيرية والإنسانية. كان يعتبر أن رسالة الكنيسة لا تقتصر فقط على العبادة، بل يجب أن تمتد لتشمل جوانب الحياة الاجتماعية كلها، متأثرًا بالمبدأ المسيحي القائل: "الإيمان بدون أعمال ميت". هذا التوجه جعله يحظى بشعبية كبيرة بين المؤمنين، ولاسيما منها في مجالات الرعاية الاجتماعية.
بفضل هذه الخلفية، تم تعيينه أسقفًا في شيكلايو في البيرو حيث خدم لأعوام طويلة، حيث استمر في عمله الرعوي وتعميق التزامه بمساعدة الفقراء والمحتاجين. كانت هذه المرحلة محورية في تشكيل رؤيته لكيفية دمج الإيمان في الحياة اليومية. ثم ارتقى لاوون الرابع عشر ليصبح رئيسًا لرهبانية القديس أوغسطينوس، حيث قام بتحديث الهيكل التنظيمي للرهبانية وأدخل إصلاحات تهدف إلى جعل العمل الديني أكثر مرونة واستجابة لحاجات المجتمع المعاصر. كان له دور بارز في إحياء العديد من المشاريع الخيرية في أنحاء مختلفة من العالم.
وفي العام 2011، عيّنه البابا بنديكتوس السادس عشر كاردينالاً، وهو المنصب الذي وسع من نطاق تأثيره داخل الفاتيكان.
معطيات وسرعة غير المألوفة
رغم أن هناك مرشحين أقوياء لكرسي الباباوية مثل الكاردينال بييترو بارولين، الذي كان يُعتبر صاحب الخبرة الدبلوماسية القوية داخل الفاتيكان، إلا أن عملية انتخاب البابا لاوون الرابع عشر كانت سريعة وغير تقليدية. ففي أقل من يومين، تم اختيار لاوون الرابع عشر، وهو ما أثار تساؤلات عدة عن السبب الذي دفع بالكرادلة إلى اختيار شخصية ربما كانت أقل شهرة على الصعيد الدولي.
التفسير الأكثر قبولًا هو أن الكرادلة قد شعروا بأن لاوون الرابع عشر يمثل شخصية قادرة على إحداث تجديد داخل الكنيسة، مع الحفاظ على التقاليد الكاثوليكية. كما أن سياساته المنفتحة والإنسانية كانت تحظى بتقدير واسع، ما جعله الخيار الأفضل في وقت حساس كانت فيه الكنيسة بحاجة إلى قيادة حكيمة وموحدة.
من العوامل التي قد تكون ساهمت في هذا الاختيار السريع هو الدعم الضمني الذي تلقاه من البابا الراحل فرنسيس، الذي كان قد عيّنه في منصب رئيس دائرة الأساقفة في الفاتيكان قبل فترة وجيزة من انتخابه. إن تعيين البابا فرنسيس له في هذا المنصب يمكن أن يُنظر إليه على أنه خطوة استباقية من أجل تمهيد الطريق لمزيد من الإصلاحات داخل الفاتيكان، وهو ما عزز من موقف لاوون الرابع عشر داخل أروقة الفاتيكان.
مواقف وتصريحات
منذ أن كان كاهنًا، كان البابا لاوون الرابع عشر يؤكد أن الكنيسة يجب أن تكون أكثر قربًا من الناس. في أحد تصريحاته الشهيرة قال: "الكنيسة ليست مؤسسة بعيدة عن حياة الناس اليومية، بل هي جزء لا يتجزأ من همومهم وآمالهم". وقد كرّس جزءًا كبيرًا من وقته لمساعدة الفئات الأكثر تهميشًا في المجتمع، سواء كان ذلك في داخل الولايات المتحدة أو في بلدان أخرى حيث انتشرت أعماله الخيرية.
عندما أصبح أسقفًا ورئيسًا لرهبانية الحياة الجديدة، استمر في تعزيز هذه الرؤية، محاولًا دمج الإيمان مع قضايا العصر. كان له دور كبير في تعزيز الحوار بين الأديان، حيث دعا مرارًا إلى الانفتاح على الديانات الأخرى، وهو ما جعله يُنظر إليه كأحد المؤيدين الأقوياء للحوار بين الثقافات.
في فترة عمله كاردينالًا، نادى بأن الكنيسة يجب أن تُصبح أكثر شفافية في تعاملاتها المالية والإدارية، حيث كان يعتقد أن ذلك هو السبيل لتجديد ثقة المؤمنين في مؤسسات الكنيسة.
التحديات وآمال
تتجه الأنظار اليوم إلى ما سيحققه البابا لاوون الرابع عشر في فترة حبريته. يُتوقع أن يركز على استكمال الإصلاحات التي بدأها سلفه البابا فرنسيس، لاسيما في قضايا مثل العدالة الاجتماعية، حقوق الإنسان، وحماية البيئة. ويُتوقع أن يعزز الحوار بين الأديان ويعمل على توسيع دور الكنيسة في قضايا مثل التغير المناخي والهجرة.
على الصعيد الداخلي، سيواجه تحديات كبيرة في تجديد الحياة الروحية داخل الكنيسة الكاثوليكية، بما في ذلك إحياء الحياة الرهبانية وتقليص البيروقراطية في الفاتيكان. كما ستكون قضايا مثل الخلافات حول الطلاق، القضايا الأخلاقية، وتحديد دور المرأة في الكنيسة من بين القضايا التي سيتعين عليه معالجتها بحكمة
الانتخاب المفاجئ للبابا لاوون الرابع عشر يحمل في طياته إشارات إلى التحولات التي قد تشهدها الكنيسة الكاثوليكية في المستقبل. فمن خلال مسيرته المتنوعة، من كاهن إلى أسقف فكر ثم رئيس رهبانية وكاردينال، أثبت لاوون الرابع عشر أنه قائد ذو رؤية متعددة الأبعاد قادر على التفاعل مع مختلف تحديات عصره. ومهما كانت التحديات التي سيواجهها، يبقى من المتوقع أن يبذل جهدًا كبيرًا في العمل من أجل تجديد روح الكنيسة بما يتماشى مع تطلعات المؤمنين وتحديات العالم المعاصر.
0 تعليق