ترجمة - معاريف *
أعادت أصداء النقاشات في جلسة الكابينت يوم الثلاثاء فجأة إلى الخطاب العام موضوع استمرار المعركة في غزة. في رأيي، كنا جميعاً نفضّل عدم تسريب معلومات من تلك الغرفة المغلقة (كما هو مفترض أن يكون)، وخصوصاً عندما تكون هذه المعلومات تخدم "حماس" وأعداء إسرائيل عبر الكشف عن خلافات جوهرية والرغبة في تضخيمها.
وفي مقابل ما يُطرح في التقارير، أعتقد أن متخذي القرار في إسرائيل لا يفكرون ولا يتحدثون العربية، ولا يفهمون "حماس" حقاً، ولا يفهمون ما الذي يمكن أن يدفعها إلى الإفراج عن مزيد من المخطوفين، حتى لوكان الثمن عدم إنهاء الحرب.. لقد مر أكثر من عام ونصف العام ونحن في حالة حرب، وعلى جميع الجبهات. وعلى الرغم من تحقيق إنجازات غير قليلة، فإننا لم ننجح في تحقيق الأهداف الكاملة التي وضعتها الحكومة للحرب في غزة، على الرغم من المنطقة الجغرافية الصغيرة للغاية، والتفوق العسكري الواضح للجيش الإسرائيلي.
إن الأسباب الرئيسية لعدم حسم المعركة ضد "حماس" حتى الآن معروفة: عدم السيطرة المستمرة على الأرض، وإدخال المساعدات الإنسانية، وعدم السيطرة على توزيعها – الأمر الذي مكّن "حماس" من الهروب، وملء جيوبها ومخازنها بالموارد والاستمرار في فرض سيطرتها على سكان غزة.. كل هذا صحيح، لكن منذ ذلك الوقت، تغيرت الأمور؛ فالإدارة الأميركية تغيّرت، وجرى تنفيذ وقف إطلاق نار طويل نسبياً أُفرج خلاله عن مخطوفين، كما تغيّر المستوى القيادي في الجيش، وتم اتخاذ قرار بالعودة إلى الضغط العسكري (والذي يُنفذ منذ نحو شهر).
البعض يعزو موافقة "حماس" على صفقات تحرير الأسرى إلى الضغط العسكري، ويرى أن تعزيز هذا الضغط سيؤدي إلى تحرير مزيد منهم، حتى من دون إنهاء الحرب. لكن من المهم أن نفهم الطرف الآخر وما الذي يحركه؛ فـ"حماس" تتهرب من المواجهة، وتحاول المحافظة على قوتها، لأن الأمر الأكثر أهمية لها الآن هو اليوم التالي، وليس دخول مواجهة عسكرية مع الجيش الإسرائيلي القوي… كلما زاد الضغط العسكري، ستقوم "حماس" بإخفاء رجالها بصورة أفضل (من دون زي رسمي، وإخفاء السلاح) بين نحو مليونَي فلسطيني في القطاع يتجنب الجيش الإسرائيلي التعامل معهم، كما يتجنب دخول الملاذات الإنسانية. وعلاوة على ذلك، فإن "حماس" تعتقد أن جميع الإنجازات العسكرية حتى الآن قابلة للعكس، وأن في إمكانها إعادة بناء قدراتها خلال فترة قصيرة بعد الحرب. وأشدد هنا على أن الضغط العسكري يمكن أن يعرّض المخطوفين المتبقين في القطاع للخطر. لذلك، فإن الطريقة الوحيدة لحسم المعركة ضد "حماس" هي عملية عسكرية شاملة، لا يجري تعريفها على أنها مجرد "ضغط"، واحتلال القطاع وطرد "حماس" جسدياً، بما في ذلك دخول المناطق الإنسانية والأنفاق المتبقية… هل لدى إسرائيل طريقة أُخرى تجعل "حماس" تفرج عن المخطوفين من دون أن تتنازل عن هدف القضاء عليها؟ الجواب هو "نعم"… بخلاف "الضغط العسكري فقط"، فإن الفكرة هي إنشاء "ضغط مدني" على التنظيم. مَن يفهم "حماس"، يدرك أن ما يهمها خلال هذه الحرب هو السيطرة الفعلية على اليوم التالي، والمحافظة على علاقتها المباشرة بالسكان (التي تمنحها شرعية وسيطرة، وتوفر ملاذاً لقادتها)، وليس البنية التحتية العسكرية بحد ذاتها. بالتالي، فإذا نزعنا منها هذا العنصر المهم، فمن الممكن أن نرى تغيّراً في سلوكها، وهذا تحديداً ما لا يستطيع الضغط العسكري تحقيقه.
كل ما يجب أن نسأله هو: ما الذي يثير التفاعل المباشر بين "حماس" والسكان في غزة اليوم ويصنع الأمل في اليوم التالي؟ الجواب هو: توزيع المساعدات الإنسانية والغذائية (والمحافظة على عدد كبير من السكان المحتاجين بعد الحرب). ومن الواضح أن إسرائيل، ومع تناقص المخزون في مستودعات غزة، لن تسمح لنفسها بالوصول إلى أزمة إنسانية كبيرة، وخصوصاً أن "حماس" ستستخدمها في حملة ضغط دولية لإجبار إسرائيل على التوقف. لذلك، فمن المرجح أن تضطر إسرائيل، على الرغم من التصريحات القتالية، إلى استئناف إدخال المساعدات (بصورة محدودة وخاضعة للرقابة).. إذا أردنا إطلاق سراح المخطوفين، فإن هذه المساعدات تمثّل نقطة التواصل الأساسية لـ "حماس" مع السكان، وهي الوجه الحقيقي للسيطرة في القطاع. لذا، من الصواب أن نبدأ منذ الآن في السيطرة على هذا المجال. ما معنى ذلك؟
الاستراتيجيا: تحييد "حماس" وجعلها غير ضرورية. الوسيلة: إيجاد طريقة لإدخال مساعدات إنسانية (محدودة وتحت رقابة مشددة) إلى القطاع بحيث لا تكون "حماس" هي من توزعها، وفي الوقت عينه، استخدام هذه المساعدات كأداة للبدء بتنفيذ خطة الهجرة الطوعية على نطاق واسع. هذان المساران يشكلان "ضغطاً مدنياً" يجب أن يُنفَّذا بالتوازي مع الضغط العسكري: الأول ينزع من "حماس" تواصلها مع الجمهور، وينشئ لأول مرة بديلاً لها كسلطة، والثاني يُفرّغ القطاع من "الخاضعين لسيطرتها"، ويُهدد استراتيجيا اعتبار "حماس" كـ"حامية" لسكان غزة، والممثلة للفكرة الفلسطينية. هذان المساران، سيضغطان على "حماس" أكثر كثيراً من "الضغط العسكري"، ويمكن أن يؤديا إلى تحرير مزيد من المخطوفين، وربما تقديم تنازلات أُخرى من طرف "حماس"، حتى من دون التزام إنهاء الحرب… لذلك، وبعكس تصريحات متخذي القرار، فإذا كنا نرغب في تحرير المخطوفين من دون تعريضهم للخطر، فإن الضغط المدني، بالتوازي مع الضغط العسكري، هو الذي سيحقق ذلك. ومن هنا، يجب إدخال المساعدات (بصورة محدودة)، وجعل "حماس" غير ضرورية، وإيجاد سلطة بديلة لها في القطاع للمرة الأولى.
* عميت يغور
0 تعليق