«أبو أمجد».. رحيل النبلاء - اخبارك الان

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
«أبو أمجد».. رحيل النبلاء - اخبارك الان, اليوم الأربعاء 23 أبريل 2025 11:09 مساءً

بعض الناس يأتون إلى الدنيا ويعيشون الحياة على هيئة أساطير، حياتهم لا تشبه حياة الآخرين، وكذلك أفعالهم وعلاقاتهم ومفاهيمهم وفلسفتهم، والقدرات والمواهب التي يمتلكونها، هؤلاء أشخاص مختلفون كثيراً، يستمرون متمسكين بالحياة رغم الزلازل التي تمر بهم، شغوفين بها، لا ترى أثراً لمتاعبها الجسام على نمط حياتهم وعلاقاتهم، مقبلون عليها في كل لحظة وكأن الحياة كلها لحظة.

كان الأستاذ «عبدالمجيد علي» رحمه الله؛ الذي فارق الدنيا قبل يومين أحد أولئك الأساطير، ولمن لم يسمعوا عنه فهو أحد الشخصيات البارزة في مدينة جدة، وأحد مؤسسي صحيفة «عكاظ»، وأرشيف الإعلام والحياة الاجتماعية والأدبية والثقافية والفنية. عاش حياة طويلة عريضة أوصلته مشارف التسعين، وعندما تكالبت عليه متاعب الجسد في السنوات الأخيرة رفض العزلة، وأصر على استمرار حضوره مجالس أصدقائه الأقربين، واستضافتهم في صالون منزله الذي شهد ما لا يعد من الحكايات والأحداث. معظم النخب مروا على صالونه من داخل المملكة وخارجها، لا تذكر اسماً لمثقف أو إعلامي أو فنان إلا وتجد لدى «أبو أمجد» حكاية أو معلومة عنه لم تسمع بها، كلهم مروا على ذلك الصالون لكنّ أبا أمجد لا يجعل المرور به عادياً، فهو ينسج الحكايات الفريدة عن الناس والأشياء والوقت. عندما كان يستقبلك أبو أمجد في صالونه واقفاً بقامته الفارعة وبنيانه المتماسك وقسماته الفريدة كأنك تقابل شخصاً قدم من أزمنة أخرى تختلف عن هشاشة هذا الزمن، وعندما لم يعد قادراً على الوقوف بسهولة كان يستقبل أصدقاءه جالساً كعملاق أجبره المرض على الجلوس لكنه لم يسلب منه هيبته وفخامته.

غرف أبو أمجد مبكراً جداً من كل صنوف الأدب والفكر والمعارف المختلفة كالتأريخ والجغرافيا والأديان وأخبار الأمم والشعوب فأصبح مثقفاً موسوعياً، وأكرمه الله بقدرة هائلة على الحفظ والاسترجاع والاستشهاد. تذكر طرفاً من قصة تأريخية غابرة فيسردها لك بتفاصيلها، تتذكر بيتاً من الشعر فيسرد لك القصيدة وحياة صاحبها، تترنم بمقطع من أغنية فيحكي لك كواليس ولادتها، وشيئاً لا تعرفه عن كاتبها وملحنها ومغنيها. عشق الصحافة وآمن بأهميتها فشارك في تأسيس صحيفة «عكاظ»، ولكم أن تعرفوا أنه كان يذهب إلى بيروت في ستينيات القرن الماضي لتأمين ورق الصحيفة، وإلى قبل وفاته بوقت قصير كان يحرص على قراءة الصحف ومناقشة أخبارها ومقالاتها بحس الصحافي ووعي المثقف.

قبل يومين من وفاته سجلت رسالة صوتية له كما اعتدت منذ دخوله المستشفى، لا أدري إن كان استطاع سماعها أم لا، ما زالت موجودة في هاتفي، وما زال هو نابضاً في قلوب محبيه، وسيظل كذلك مدى الحياة؛ لأنه كان من الرجال النبلاء الذين شحّ وجودهم في هذا الزمن.

رحمك الله يا أبا أمجد.

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق