وفي المجال السياسي، روّج الغرب لنموذج تحالفات دولية قائمة على «القيم المشتركة» كالديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن الواقع كشف أن هذه الشعارات كانت في كثير من الأحيان غطاءً لمصالح جيوسياسية واقتصادية. فتحت مظلة «نشر القيم»، شهد العالم حروباً مدمرة وتدخّلات غير مشروعة، بينما تحوّلت «الصداقات الدولية» إلى علاقات تبعية تخدم الأجندات الغربية.
وهكذا، تحوّلت المثالية في الخطاب السياسي الغربي إلى مجرد أداة لترويج أيديولوجي، بينما ظلّت السياسات الفعلية تقوم على حسابات القوة والمصلحة. اليوم، مع صعود قوى عالمية جديدة وتنامي الوعي بضرورة التحرر من الهيمنة الأحادية، أصبحت هذه التحالفات الرمزية أمام اختبار حقيقي: إما أن تتحول إلى شراكات عادلة تقوم على المنفعة المتبادلة، أو أن تواجه الاندثار في نظام عالمي لم يعد يؤمن بالشعارات المجردة.
في السنوات الأخيرة، بدأ العالم يشهد انزياحاً واضحاً من التحالفات الرمزية القائمة على الخطابات الأيديولوجية إلى تحالفات أكثر واقعية، تقوم على المصالح المتبادلة والمنفعة الاقتصادية والأمنية. فالدول التي كانت تُعتبر حليفة تقليدية للغرب بدأت تبحث عن شراكات جديدة مع قوى صاعدة مثل الصين وروسيا، ليس بسبب تقارب القيم، بل لأن هذه التحالفات تقدّم فرصاً استثمارية أو تعزّز الأمن القومي لتلك الدول.
حتى داخل الغرب نفسه، لم تعد «القيم المشتركة» ضمانةً للوحدة، كما رأينا في الخلافات الأوروبية حول سياسات الهجرة أو الطاقة، أو في تباين المواقف بين الولايات المتحدة وحلفائها تجاه قضايا مثل الصين أو الشرق الأوسط. الخلافات التجارية وسياسة فرض الضرائب بين الولايات المتحدة وكندا تظهر أن التحالفات الرمزية لم تعد بمنأى عن النزاعات، ولم تعد تخفي تناقضاتها، والولاءات أصبحت مشروطة بالمصالح المباشرة. الموقف الأمريكي يعكس أولوية الحماية التجارية حتى على حساب الحلفاء التقليديين. أن المصالح الاقتصادية تفوق «العلاقات الاستثنائية» المزعومة. ولا يعني ذلك انهيار التحالف الأمريكي-الكندي، لكنه لم يعد قائمًا على ثقة مطلقة؛ لأن العالم يتجه نحو تحالفات مرنة حيث أصبحت الدول تتعامل ببراغماتية، فالمصالح الاقتصادية قد تطغى على الولاءات السياسية.
أمريكا لم تعد الضامن الوحيد مع صعود الصين وتنامي التكتلات الإقليمية، لهذا قد تفضل دول مثل كندا تنويع تحالفاتها بدل الاعتماد الكلي على واشنطن.
في إطار هذا التغيير، يبرز التحول في طريقة تعامل روسيا مع دول مثل كوريا الشمالية، التي أصبحت جزءًا من المشهد التحالفي الروسي الجديد. ما يجعل هذه العلاقة أكثر وضوحًا هو الطريقة التي تم بها الإعلان عن هذا التعاون. بدلاً من أن يكون مجرد إعلان سياسي أو مجرد خطوة دبلوماسية، أصبح هذا التعاون إعلانًا عن بداية عهد جديد في العلاقات الدولية، حيث لا تقاس الصداقات والتحالفات بناءً على «القيم» المعلنة على المنابر الدولية، بل على القدرة الحقيقية على الوقوف معًا في لحظات الخطر.
تراجع النموذج الغربي للتحالفات الرمزية يشير إلى تحوّل عميق في السياسة الدولية، حيث لم تعد الأيديولوجيا كافيةً لضمان الولاء، ولم تعد الهيمنة الغربية أمراً مفروغاً منه. المستقبل سيكون للنموذج الأكثر مرونةً وقدرةً على التكيّف، حيث تتعاون الدول على أساس المنفعة المادية، لا الشعارات المجرّدة.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
0 تعليق