اخبارك الان

إفريقيا الوسطى وسياسات النقد - اخبارك الان

آيك برانون*

اعتمد الرئيس ترامب في حملته الانتخابية، على خطط لإطلاق العنان للطاقة الأمريكية، محلياً ودولياً، لخفض السعر الذي يدفعه الأمريكيون مقابل الوقود الذي يُغذي تقدم بلدهم.
ومنذ تنصيبه، أنشأت إدارته «المجلس الوطني للهيمنة على الطاقة»، وأعلنت حالة طوارئ وطنية في مجال الطاقة، واتخذت خطوات أخرى في محاولة لتعزيز نمو القطاع، والحد من البيروقراطية التي تُعيق تطوير النفط والغاز.
ومع ذلك، فإن إحدى المؤسسات التي تحتاج إلى مزيد من التدقيق لدورها في الحد من هيمنة الطاقة الأمريكية، هي صندوق النقد الدولي، والذي ضخت فيه الولايات المتحدة وحدها 160 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب، لتكون بذلك أكبر مساهم فيه. وبينما الهدف الرئيسي من قروض الصندوق هو تحقيق الاستقرار الاقتصادي في الدول النامية، إلا أنه غالباً ما يفرض شروطاً تضر بالشركات الأمريكية وبالأولويات الاستراتيجية للبلاد.
ويتجلى هذا بوضوح في إفريقيا الوسطى، حيث يُسهّل صندوق النقد الدولي على الحكومات دعم احتياطياتها من النقد الأجنبي مؤقتاً، من خلال استغلال خزائن شركات الطاقة الأمريكية، ما سيؤدي في النهاية إلى خفض إنتاج النفط والغاز في هذه البلدان. على المدى البعيد، سيضر هذا باقتصادات هذه الدول ومواطنيها، وسيرفع أسعار الطاقة أكثر.
ويُشكل توجيه البنك المركزي لدول وسط إفريقيا محور هذا الجدل، حيث يُلزم شركات النفط والغاز الدولية بإعادة أموال «إعادة التأهيل» إلى البلدان التي تعمل فيها. وأموال إعادة التأهيل هي تلك المخصصة لشركات الطاقة لتغطية تكاليف التنظيف البيئي وتفكيك مواقعها في المستقبل.
ويدعم صندوق النقد الدولي، بالتزامه الصمت، ضمنياً لائحة البنك المركزي لدول وسط إفريقيا بشأن النقد الأجنبي، وإعادة أموال «إعادة التأهيل»، ما قد يُزعزع هذه الآلية المالية الدقيقة. والمشكلة ببساطة، هي أن هذه الدول غير مستقرة مالياً، وخطر انخفاض قيمة عملاتها أو انهيار شامل لأسواقها المالية، يعني أن هذه الاستثمارات لن تكون آمنة تماماً هناك. وتُنشئ هذه الخطوة، في جوهرها، مسؤولية جديدة محتملة على شركات النفط والغاز، ستزيد من كلفة مزاولة أعمالها.
يمثل هذا القرار تهديداً خطيراً للسيادة الاقتصادية ومبادئ الاستثمار الدولية، وقد تكون له تداعيات طويلة الأمد على الاقتصادات النامية. ومن خلال هذه السياسة، ستُجبر دول إفريقيا الوسطى الشركات الأمريكية على دفع مبالغ طائلة بعد أن استفادت لسنوات من الخبرة والخدمات الأمريكية، في الوقت الذي كانت تُنمي فيه اقتصاداتها.
وستكون العواقب الاقتصادية لهذه الإجراءات وخيمة، ولن تصب في صالح هذه الدول. وتتوقع شركة «إس آند بي غلوبال كومودتي إنسايتس» أن يقلل التطبيق الكامل لهذه اللوائح من حجم الاستثمار في دول المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا «سيماك» بمقدار 45 مليار دولار خلال العقدين المقبلين.
كما أن توقيت هذه الخطوة يُمثل إشكالية خاصة. حيث تشهد هذه البلدان بالفعل انخفاضاً في الاستثمار الأجنبي، فقد غادرت أكثر من ثلث الشركات العاملة في قطاع النفط والغاز المنطقة بين عامي 2020 و2023.
في غضون ذلك، تلعب القارة السمراء دوراً متنامياً في تطوير حقول النفط والغاز الجديدة، فقد استحوذ ساحلها الغربي على 40% من جميع اكتشافات الغاز الجديدة خلال العقد الماضي. وإذا أدت سياسة صندوق النقد الدولي إلى خفض الإنتاج في غرب إفريقيا، فسيؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار وزيادة اعتماد السوق العالمي على مصادر ربما تكون غير مستقرة سياسياً.
ومن السهل إدراك التأثير السلبي الذي قد تُحدثه هذه القاعدة بالنظر إلى غيانا وأنغولا، وهما دولتان تتبعان سياسات أكثر ملاءمة للمستثمرين، تسمح بإعادة العملات إلى الوطن، وتشهدان نمواً قياسياً في الاستثمار والإنتاج.
ولو أوضح صندوق النقد الدولي ببساطة أن أموال إعادة تأهيل المواقع المستقبلية لن تُحتسب كاحتياطيات من العملات الأجنبية - وفقاً لقواعده المعمول بها - لكشف هشاشة الاقتصاد الكامنة في هذه الدول، ولأُجبر الصندوق والدول على العمل معاً على معالجة أي ضعف في الأسواق المالية النظامية، بالتالي تجنيب الشركات الأجنبية مخاطر مالية أكبر. لكن الصندوق يُسهل لعبة تعتيم مالي خطيرة، لن تعود بالنفع على مواطني هذه الدول إطلاقاً.
لطالما ساور القلق بعض المسؤولين الأمريكيين بشأن تنامي نفوذ المؤسسات الاقتصادية البديلة، لا سيما تلك المدعومة من الصين. ومن شأن قاعدة إعادة الأموال أن تُقلل، بالتزامن مع ذلك، من الاستثمارات الأمريكية، وتزيد من جاذبية تعاون هذه الدول مع الصين على المدى القصير، والتي ستكون سعيدة بتقديم وعود لا تنوي الوفاء بها.
إن دعم صندوق النقد الدولي لقاعدة إعادة أموال تأهيل شركات الطاقة الدولية الخاصة بالمشاريع إلى البلدان التي تعمل فيها، لا يتماشى مع مهمته الأساسية المتمثلة في تعزيز الاستقرار الاقتصادي العالمي، ودعم الاقتصادات النامية، وينبغي إعادة النظر فيه على هذا الأساس وحده. فتعارض ذلك مع المصالح الجيوسياسية المباشرة للولايات المتحدة يُهدد الدعم السياسي المستقبلي للصندوق.
* زميل أول في مؤسسة «جاك كيمب» غير الربحية في واشنطن «ريل كلير ماركيتس»

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

أخبار متعلقة :