اخبارك الان

من الحقول الجافة إلى المستشفيات المكتظة - اخبارك الان

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من الحقول الجافة إلى المستشفيات المكتظة - اخبارك الان, اليوم الاثنين 19 مايو 2025 10:54 مساءً

يشهد العالم اليوم تحولات مناخية متسارعة وغير مسبوقة باتت تشكل تهديدًا ملموسًا للأمن البيئي والاقتصادي والاجتماعي على حد سواء. بيانات برنامج "كوبرنيكوس" الأوروبي الصادرة في شهر ماي 2025 والخاصة برصد المناخ تؤكد هذا المنحى التصاعدي المقلق، إذ سجلت 21 من أصل 22 شهرًا الماضية انحرافًا حراريًا تجاوز 1.5 درجة مئوية مقارنة بالفترة المرجعية لما قبل الثورة الصناعية (1850 – 1900)، وهو ما كان يُعتبر سابقًا الحد الأقصى المقبول لتفادي الكوارث المناخية الكبرى بموجب اتفاق باريس للمناخ.

بلغت ذروة هذا الانحراف في دجنبر 2023 عندما وصلت درجة الحرارة العالمية إلى 1.78 درجة مئوية فوق المعدل التاريخي، تلتها شهور أخرى كيناير وفبراير 2024 بانحرافات قاربت أو فاقت 1.7 درجة، ما ينذر بدخول مرحلة احترار مزمن قد تكون عواقبه غير قابلة للعكس، وفق ما تؤكده الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC في تقاريرها الأخيرة، لا سيما التقرير السادس الصادر سنة 2022.

في هذا السياق العالمي المقلق، يبقى المغرب من بين البلدان الأكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي، بفعل موقعه الجغرافي وانخراطه الكبير في أنشطة تعتمد على الموارد الطبيعية، خاصة الفلاحة والسياحة. فحسب تقديرات البنك الدولي، تراجعت الموارد المائية المتجددة للمملكة بنسبة 25% منذ التسعينيات، ومن المرجح أن تنخفض بنسبة إضافية قد تصل إلى 40% في أفق 2050، إذا استمرت الظروف المناخية الحالية دون تدخل هيكلي سريع.

كما تُظهر معطيات من مرصد المناخ المتوسطي أن المغرب يشهد ارتفاعًا متزايدًا في تواتر موجات الحر وحرائق الغابات، حيث عرف صيف 2022 وحده حرائق واسعة النطاق في أقاليم الشمال، التهمت آلاف الهكتارات من الغطاء الغابوي، بينما سجلت درجات حرارة غير مسبوقة في مدن مثل الدار البيضاء ومراكش، تجاوزت أحيانًا 47 درجة مئوية.

أما على مستوى الصحة العامة، فإن التأثيرات المناخية بدأت تنعكس بشكل واضح على المؤشرات الوبائية. فقد عرف المغرب مؤخرا ارتفاعًا متواصلا في حالات أمراض الجهاز التنفسي خصوصًا خلال فترات الحر الشديد، مع تزايد حالات الربو وضيق التنفس في صفوف الفئات الهشة كالرضع والمسنين. وتُقدّر منظمة الصحة العالمية أن التغير المناخي قد يؤدي إلى وفاة نحو 250 ألف شخص سنويًا خلال الفترة 2030–2050، بفعل أمراض مرتبطة بالجفاف وسوء التغذية والتغيرات في أنماط العدوى.

وتظل المناطق القروية والجبلية في المغرب الأكثر هشاشة، بسبب محدودية الخدمات الصحية وصعوبة الوصول إلى البنيات التحتية، ما يستوجب تفعيل مخططات صحية ترابية تأخذ بعين الاعتبار المخاطر البيئية، وتدمج آليات الإنذار المبكر والاستجابة السريعة في حالات الطوارئ المناخية.

من جهة أخرى، يشكل القطاع الفلاحي أحد أبرز المتأثرين بالتغير المناخي. فبحسب المندوبية السامية للتخطيط، عرف القطاع الفلاحي انكماشًا حادًا بنسبة 17.3% سنة 2022 بفعل الجفاف، وهو ما أثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي الوطني. وتعاني مناطق فلاحية رئيسية كالحوز وسوس من تراجع كبير في مستويات المياه الجوفية وملوحة التربة، ما يهدد ديمومة الإنتاج وتوازن الأسواق.

من جانب آخر، يولي المغرب اهتمامًا خاصًا بمواكبة التوجهات الدولية لمكافحة التغير المناخي من خلال التزامات جادة في اتفاقيات المناخ العالمية مثل اتفاق باريس. هذه المشاركة تتجسد في توفير الدعم المالي والتقني للمشاريع البيئية المحلية، والعمل على تعزيز التعاون مع المؤسسات الدولية لدعم مبادرات التكيف مع التغير المناخي، خاصة في المجالات الزراعية والمائية.

ورغم المجهودات المبذولة في مجال الانتقال الطاقي، من خلال مشاريع الطاقة الشمسية والريحية، يواجه المغرب تحديات كبيرة على مستوى تنفيذ السياسات البيئية بالشكل المتكامل والعادل. فرغم الإشادة الدولية بمبادرات مثل محطة "نور" بورزازات، إلا أن برامج مثل "المغرب الأخضر" تعرضت لانتقادات حادة بسبب استنزافها للفرشة المائية و تركيزها على كبار المستثمرين وتهميشها لصغار الفلاحين.

إن مواجهة التغير المناخي تتطلب أيضًا رفع مستوى الوعي البيئي لدى المواطنين، خاصة في المناطق الأكثر تضررًا. من خلال التعليم البيئي، يمكن للمجتمع أن يشارك بفعالية في الجهود الرامية إلى الحد من آثار التغير المناخي. ويجب على الحكومة والشركاء الاجتماعيين أن يتبنوا برامج توعية موجهة إلى مختلف الفئات الاجتماعية حول أهمية ترشيد استهلاك الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة.

كل هذه المعطيات تؤكد أن أزمة المناخ لم تعد مسألة بيئية فحسب، بل تحولت إلى مسألة وجودية تتطلب إعادة هيكلة شاملة للنموذج التنموي الوطني، من خلال إدماج العدالة المناخية في السياسات العمومية، وتوفير تمويلات عادلة للمجالات الترابية الهشة، مع تعزيز البحث العلمي وبناء القدرات المؤسساتية في مواجهة الكوارث البيئية. فمستقبل الأجيال القادمة يتوقف على القرارات التي نتخذها اليوم، وما لم تتحول التحذيرات المناخية إلى استجابات ملموسة، فإننا مقبلون على عقد من الأزمات المتراكبة لا محالة.

 

 

 

أخبار متعلقة :