اخبارك الان

حين يتحوّل الجسد إلى بضاعة .. صناعة المليارات على حساب هوس الوزن المثالي - اخبارك الان

في زمنٍ يسعى فيه الكثيرون إلى الحصول على الجسد المثالي، وتُختزل الثقة بالنفس في محيط الخصر، لم تعد السمنة مجرد مشكلة صحية، بل أصبحت "عدوًا" تُخاض ضده المعارك بكل الوسائل، والتي تشمل الأنظمة الغذائية القاسية والعمليات الجراحية وإبر الحقن الأسبوعية.

 

ومع تصاعد الهوس العالمي بالجسد المثالي، سارعت كبرى شركات الأدوية في الدخول إلى الحلبة، بحثًا عن قطعة أكبر من حصة سوق يُتوقع أن تتجاوز قيمته 100 مليار دولار خلال سنوات قليلة.

 


وتحوّلت الدهون إلى فرص استثمار، وكل كيلوجرام زائد بات يُنظر إليه كفرصة واعدة للربح.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

وبينما يعاني مئات الملايين حول العالم من السمنة وتبعاتها الصحية والنفسية، ترى شركات الأدوية في هذا "الوباء العصري" منجم ذهب جديد، تُكرَّس له الأبحاث، وتُعقَد لأجله التحالفات، وتُضَخ فيه مليارات الدولارات.

 

فلم تعد المنافسة محصورة بين أدوية رائدة مثل أوزمبيك ومونجارو المنتجة من قبل شركتي "نوفو نورديسك" و"إيلي ليلي" على التوالي، بل دخلت أسماء جديدة تسعى للحصول على موطئ قدم في سوق متنامٍ بشراسة.

 

ومن بين أحدث الوافدين شركة "روش" السويسرية، التي أعلنت مؤخرًا عن صفقة ضخمة للتعاون مع "زيلاند فارما" الدنماركية بقيمة تصل إلى 5.3 مليارات دولار، بهدف تطوير وتسويق عقار جديد مضاد للسمنة.

 

فهل نحن أمام ثورة طبية حقيقية تعيد الأمل لمن يعانون من السمنة التي تؤثر على صحتهم ونشاطهم البدني؟ أم أننا بصدد مرحلة جديدة من مزيد من استغلال معاناة مرضى السمنة من أجل جني مزيد من الأرباح؟

 

صفقات بمليارات

 

صفقة روش الأخيرة للتعاون مع "زيلاند فارما" ليست استثناءً، بل جزء من موجة استثمارية ضخمة تشهدها سوق أدوية السمنة، بعدما شهد هذا المجال قفزات نوعية خلال العامين الماضيين.

 

وفي مارس الماضي، أعلنت "روش" عن صفقة لتطوير وتسويق عقار "بيترلينتايد" الذي تنتجه شركة "زيلاند"، وهو دواء تجريبي مضاد للسمنة.

 

وتُعد هذه الصفقة من بين أكبر الصفقات في مجال علاجات السمنة، وتمثل خطوة استراتيجية من "روش" لدخول هذا القطاع، وبموجبها ستدفع 1.65 مليار دولار أمريكي مقدمًا.

 

ومع إضافة الخطط المستقبلة المرتبطة بتطورات البحث والمبيعات من المقرر أن يصل هذا الرقم إلى 5.3 مليار دولار.

 

 

ويُعتبر "بيترلينتايد" نظيرًا طويل المفعول لهرمون الأميلي والذي يفرزه البنكرياس لإبطاء إفراغ المعدة وتقليل الشهية، ويُعطى عن طريق الحقن تحت الجلد مرة واحدة أسبوعيًا.

 

ويُظهر هذا العقار في التجارب السريرية المبكرة قدرة على إنقاص الوزن بنسبة تصل إلى 8.6% خلال 16 أسبوعًا، مع آثار جانبية أقل مقارنةً بالعلاجات الحالية.

 

أثارت هذه الصفقة اهتمامًا واسعًا في سوق الأدوية المضادة للسمنة، حيث ارتفعت أسهم "زيلاند فارما" بنسبة تجاوزت 40% بعد الإعلان، بينما شهدت أسهم "روش" ارتفاعًا بأكثر من 4%.

 

من جهة أخرى، اتخذت شركة "نوفو نورديسك" الدنماركية خطوات استراتيجية كبيرة لتعزيز قدراتها الإنتاجية في مجال أدوية السمنة، استجابةً للطلب المتزايد على منتجاتها مثل "ويجوفي" و"أوزيمبيك".

 

ففي فبراير 2024، أعلنت الشركة الأم لها "نوفو هولدينجز" عن استحواذها على شركة "كاتالنت" الأمريكية، المتخصصة في تصنيع الأدوية، في صفقة نقدية بالكامل بلغت قيمتها 16.5 مليار دولار، في خطوة تهدف لتعزيز إنتاج عقارها الشهير لفقدان الوزن "ويجوفي".

 

وبموجب الصفقة استحوذت "نوفو نورديسك" على ثلاث منشآت إنتاجية متخصصة في تعبئة الأدوية من "كاتالنت" ، مما سيمكنها من زيادة إنتاج أدوية جي إل بي-1 الخاصة بها.

 

علاوة على ذلك، أعلنت "نوفو نورديسك" عن استثمار 2.1 مليار يورو (2.4 مليار دولار أمريكي) في منشآتها الإنتاجية في فرنسا، بهدف تعزيز إنتاج أدوية السمنة وتلبية الطلب العالمي المتزايد.

 

طلب متزايد

 

من المتوقع أن تصل القيمة السوقية لأدوية التخسيس إلى أكثر من 100 مليار دولار بحلول عام 2030، وفقًا لتقديرات جولدمان ساكس، وهو ما يفسر تسابق الشركات على الاستثمار في هذا القطاع، سواء عبر البحث والتطوير أو الاستحواذات.

 

وتشير تلك الإحصائيات إلى أن أمريكا الشمالية ستستحوذ على نحو 60% من حصة السوق بحلول عام 2035، نتيجة لارتفاع معدلات السمنة وزيادة الإنفاق الصحي.

 

جدول تطور الطلب على أدوية السمنة وفقًا للسوق:

المنطقة

حصة السوق المتوقعة

(بحلول 2035)

أمريكا الشمالية

%60

أوروبا

%20

آسيا والشرق الأوسط

%10

أمريكا اللاتينية

%5

بقية العالم

%5

 

وأشار تقرير لشبكة سي إن بي سي إلى أن الطلب على أدوية جي إل بي-1 أصبح خارج نطاق السيطرة تقريبًا، بسبب اضطرابات كبيرة في سلاسل التوريد، وسط إقبال عالمي لم يسبق له مثيل، حتى أن بعض الصيدليات أبلغت عن وجود قوائم انتظار تمتد لأشهر.

 


وجي إل بي-1 هو اختصار لهرمون طبيعي يُفرز في الأمعاء بعد تناول الطعام، يساعد في تحفيز إفراز الإنسولين الذي يزيد من عمليات الحرق، ويقلل من إفراز الجلوكاجون، مما يُسهم في خفض مستويات السكر في الدم.

 

كما يؤثر هذا الهرمون على مراكز الشهية في الدماغ، فيُبطئ إفراغ المعدة ويُعزز الشعور بالشبع لفترة أطول، وهو ما يجعله فعالًا في إنقاص الوزن.

 

هذه الخصائص الفريدة جعلت أدوية مثل "ويجوفي" و"أوزيمبيك" محط اهتمام ليس فقط للمرضى الذين يعانون من السمنة أو السكري، بل أيضًا لأولئك الذين يسعون إلى خسارة الوزن لأغراض جمالية أو وقائية، مما ضعف الطلب وخلق سباق محموم في السوق العالمية.

 

ووفقًا لتقرير صادر عن شركة جلوبال داتا، من المتوقع أن تصبح أدوية جي إل بي-1 من بين أكثر فئات الأدوية مبيعًا في عام 2024.

 

وبحلول عام 2029، ووفقًا لبيانات نفس الشركة، ستحتكر خمسة أدوية سوق جي إل بي-1، بنسبة 83% من المبيعات وهي مونجارو، وأوزمبيك، وويجوفي، بالإضافة إلى كاجري سيما وريبيلسوس.

 

وخلال العام نفسه، من المتوقع أن تصل مبيعات مونجارو إلى أكثر من 33 مليار دولار بمفردها.

 

الوجه الآخر لأدوية التخسيس

 

تَعِد أدوية جي إل بي-1 بنتائج قوية، إذ تتسبب في خفض الوزن بنسبة تتراوح بين 15% و25% خلال أشهر، وتُحقن عادةً مرة أسبوعيًا.

 

ورغم أن هذه النسبة قد تشكل طوق نجاة لكثيرين يعانون من السمنة المزمنة، إلا أن هناك جانبًا مظلمًا يختبئ خلف هذا البريق.

 

 

فالاستخدام طويل الأمد لهذه الأدوية لم يخضع بعد لتقييم كافٍ على مدى سنوات، ناهيك عن الآثار الجانبية التي تشمل الغثيان، التقيؤ، وفقدان الشهية المفرط، مما قد يؤدي إلى اضطرابات في تغذية الأشخاص خطيرة.

 

الأخطر من ذلك، هو تحول هذه الأدوية إلى وسيلة تجميلية بحتة، يستخدمها أناس لا يعانون من السمنة فعليًا، بل يسعون فقط لإنقاص بضعة كيلوجرامات بهدف تحقيق "المثالية الجسدية" التي تفرضها المعايير الاجتماعية والمنصات الرقمية.

 

من اللافت أن شركات الأدوية لا تسوّق هذه المنتجات فقط كأدوية، بل كمفاتيح لتحسين جودة الحياة، وزيادة الثقة بالنفس.

 

ولا يُخفى أن جزءًا كبيرًا من حملة الترويج لهذه الأدوية يتم عبر مؤثرين ومشاهير على إنستغرام وتيك توك، بعضهم يتحدث عن فقدان الوزن دون الإفصاح عن استخدامه لأدوية جي إل بي-1، ما يخلق ضغطًا نفسيًا على المتابعين، ويغذّي سباقًا مرهقًا نحو الجسد المثالي.

 

إلى أين يقودنا هذا السباق؟

 

في ظل الزخم الحالي، يبدو أن أدوية التخسيس ستبقى محورًا أساسيًا في استراتيجيات شركات الأدوية الكبرى، بل وقد تصبح مثل أدوية ضغط الدم أو الكوليسترول تُستخدم لسنوات طوال، وربما مدى الحياة.

 

لكن السؤال الأخلاقي لا يزال قائمًا: هل نُعالج السمنة فعلًا، أم أن الشركات تسعى فقط لزيادة مبيعاتها؟ وهل الهدف هو صحة الناس، أم استدامة الأرباح؟

 

الجواب قد لا يكون واضحًا الآن، ولكن مع مرور الوقت سيصبح أكثر وضوحًا، خاصة مع كل صفقة تُوقّع، ومع ظهور أشكال وأنواع جديدة لأدوية السمنة حيث تطور الشركات علاجات دوائية تستهدف عدة مسارات في الجسم، بهدف تحسين فعالية علاج السمنة.

 

فعلى سبيل المثال، قدّمت شركة "نوفو نورديسك" طلباً للحصول على موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية لإنتاج عقار فموي من دواء "ويجوفي"، ما قد يوفر بديلاً أكثر راحة من الحقن.
 

في حين تستعد منظمة الصحة العالمية لدعم استخدام أدوية إنقاص الوزن مثل "ويجوفي" للبالغين حول العالم، مع التأكيد على ضرورة توفيرها بأسعار مناسبة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.

 

لم تعد السمنة مجرد معركة صحية، بل غدت ميدانًا تتصارع فيه شركات عملاقة على أرباح خيالية، وسط حاجة فعلية لعلاج يخفف آلام الملايين.

 

ربما يكون المستقبل حافلًا بالمزيد من الابتكارات، لكن التحدي الحقيقي سيبقى في التوازن بين العلاج كحق إنساني، والدواء كسلعة تُحدد أهميتها بحجم الربح لا بمدى الحاجة، في زمن تتحول فيه المعاناة إلى فرص استثمار.

 

المصادر: أرقام- رويترز- موقع دراج ديسكفري ترنديس- موقع بيرسيدينس للأبحاث- سي إن بي سي- بلومبرج- شركة جلوبال داتا

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

أخبار متعلقة :