د. لويس حبيقة *
تطورت التكنولوجيا مؤخراً بسرعة ونوعية في كل القطاعات مستفيدة من حرية التجارة الدولية والانتقال الأسهل نسبياً للعلماء والمتخصصين بين الدول. أما اليوم وبسبب الحروب التجارية القائمة خاصة بين الولايات المتحدة والصين، فهذا التطور معرض للتباطؤ وربما للتوقف، وهذا مضر للجميع.
تغيرت خصائص التكنولوجيا من خدمات تقليدية إلى متطورة يستبدل معها الموظف والعامل بالماكينات والحواسب والآليات وغيرها. تستبدل التكنولوجيا أيضاً عقل الموظف والعامل بالماكينة، وهنا النقطة الفاصلة الزمنية الأساسية. التكنولوجيا الرقمية والمشفرة غيرت الماضي، ومن لا يستوعبها يخرج من سوق العمل وما ينتج عنها من بحبوحة واستقرار. حواسب اليوم ليست كالماضي، وبالتالي طرق استعمالها تغيرت جداً.
يواجه العالم خيارات كبرى يجب أن نفكر جميعاً فيها. أيهما أفضل لنا ولكل المجتمعات؟ الاعتماد على التكنولوجيا في الإنتاج ضمن الإمكانات المتوفرة، أم نستبدل تدريجياً العمالة الحالية بالآليات الجديدة النابعة من الذكاء الاصطناعي ومشتقاته؟ الطريقة الأولى تقرب العالم بعضه من بعض وتعطي العولمة فرصاً جديدة لإنتاج الأفضل للشعوب. الطريقة الثانية غير إنسانية، لكن يمكن أن تخفض تكلفة الإنتاج وترفع الإنتاجية، وبالتالي تعزز فرص النمو والتنمية. الاثنتان ممكنتان في كل المجتمعات والخيار هو للشعوب وما يفيدها اقتصادياً واجتماعياً.
هنالك فارقان كبيران بين ما يحدث اليوم من تطور تكنولوجي وبين ما كان يحصل خلال الثورات الصناعية المختلفة.
الفارق الأول هو أن التقدم التكنولوجي الحالي سريع وغير إنساني، أي سيوقع ضحايا عديدة وبسرعة.
الفارق الثاني هو أن التكنولوجيا الجديدة غير عادلة، إذ تعطي أفضلية كبيرة لمن هو مؤهل علمياً لاستيعابها ثم للمواجهة.
هذا سيوسع فجوة الدخل بين المواطنين، وبالتالي يظلم الفقير الذي لا قدرة له على ركوب قطار التكنولوجيا السريع.
لأن التكنولوجيا الجديدة تؤثر على توفر ونوعية الخدمات، ولأن الاقتصادات الحالية مرتكزة على الخدمات، أصبح تأثير التكنولوجيا الجديدة كبيراً وأهم بكثير مما كان يحصل خلال الثورات الصناعية السابقة. هنالك واقع حقيقي ومؤسف وهو أن التغيرات التكنولوجية الحالية السريعة تضغط بقوة على النظام الاجتماعي السياسي والاقتصادي في كل الدول أكثر بكثير مما تستطيع هذه المجتمعات استيعابها أو التأقلم معها. من أهم مزاياها الفارق الكبير بين خصائص العمل السابق والحالي نتيجة دخول التكنولوجيا بقوة إلى قطاع الخدمات.
اعتادت المجتمعات التأقلم البطيء للحياة مع التقدم التكنولوجي، وهذا غير ممكن اليوم. هنالك من لا يزال يعتبر أن منافسة الحواسب والآليات الجديدة كالذكاء الاصطناعي غير عادلة، وبالتالي يدعو إلى مقاومتها، وهذا غير ممكن خاصة في الدول الصغيرة والفقيرة. لا شك أن الواقع الجديد سيؤثر على سوق العمالة، أي على الأجور والمنافع، وبالتالي لم يعد ممكناً حماية الوظيفة كما تطالب بها النقابات والجمعيات. هذه الحقائق ربما ترفع الإنتاجية في القطاعين العام والخاص لكنها ستقضي على الاستقرار الاجتماعي. هذا يحصل دائماً عندما تتفاعل المؤشرات التكنولوجية مع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ما يشير إلى استمرارية أوضاع عامة صعبة.
* أكاديمي لبناني
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
أخبار متعلقة :