د. محمد الصياد *
بوحي وإيعاز من البليونير الشهير إيلون ماسك، المتعدد الجنسية (الجنوب إفريقية والكندية والأمريكية)، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذيا في اليوم الأول لتنصيبه في ولايته الجديدة (الثانية)، أي في 20 يناير 2025، تم بموجبه إنشاء وزارة كفاءة الحكومة (Department of Government Efficiency - DOGE)، وذلك على أنقاض «الخدمة الرقمية للولايات المتحدة» (United States Digital Service - USDS)، وهي وحدة تقنية كانت تابعة للمكتب التنفيذي للرئيس. فيما أُنشئت المنظمة المؤقتة للولايات المتحدة لخدمة DOGE (U.S. DOGE Service Temporary Organization - USDSTO) ضمن الخدمة الرقمية للولايات المتحدة، بهدف «تحديث التكنولوجيا والبرمجيات الفيدرالية لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة والإنتاجية الحكومية، وخفض الإنفاق الفيدرالي». على أن يتم حل المنظمة المؤقتة للولايات المتحدة لخدمة DOGE في 4 يوليو 2026.
إيلون ماسك الذي عينه الرئيس دونالد ترامب رئيساً لما تسمى إدارة كفاءة الحكومة الأمريكية، يقول إنه سيخفض الإنفاق الحكومي من 7 إلى 6 تريليونات دولار سنوياً. وهو يحظى بدعم كامل ومفتوح من الرئيس ترامب، الذي سرعان ما يجيبه إلى أي طلب يطلبه بإصدار أوامر تنفيذية سارية المفعول فور صدورها. فبضربة واحدة ألغى ترامب بأمر تنفيذي بناء على طلب ماسك، 8 هيئات حكومية، من بينها إذاعة صوت أمريكا، ومركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين، ولجنة أبحاث القطب الشمالي. يريد ترامب تحديد وإزالة تريليوني دولار مما يسميه هدراً Waste بحلول 4 يوليو 2026.
إنما في عمق المشكلة، نرجح أن الأمر برمته لا يخلو من توجهات أيديولوجية فاقعة، لناحية اعتبار الجمهوريين لمعظم مؤسسات الدولة الأمريكية العميقة، بأنها واجهات للحزب الديمقراطي وكل أنشطتها مجيرة لصالحه ولصالح إحكام قبضته التامة على الحياة الأمريكية. فضلاً عن موقف الجمهوريين التقليدي المناهض للحكومة الممتدة وتفضيلهم لمقاربة الحكومة الصغيرة «الرشيقة». هناك في الكواليس، كانت شخصية بارزة في الجناح المحافظ للحزب الجمهوري، هي التي تقف خلف هذه السياسة الإدارية الحكومية الكلية منذ الولاية الأولى للرئيس ترامب. إنه راسل فوغت، الذي عينه ترامب في ولايته الأولى مديرا لمكتب الإدارة والميزانية (Office of Management and Budget)، وهو نفس المنصب الذي عُهد إليه في الولاية الثانية لترامب لتنفيذ ما ورد في خطة فوغت المسماة «مشروع 2025»، الذي يجادل فيه بأن «البيروقراطية الفيدرالية تُشكل تهديداً وجودياً للبلاد، وإنه لذلك ينبغي تقليص حجمها بشكل كبير. وفي مذكرة رفعها يوم الأربعاء 26 مارس 2025 إلى الرئاسة، أكد راسل فوغت أن الحكومة الفدرالية مُكلِفة وغير فعالة ومثقلة بالديون، وإنها لا تحقق نتائج ملموسة للشعب الأمريكي. بل تُهدر أموال الضرائب لتمويل برامج غير منتجة وغير ضرورية».
وقد ألزمت مذكرة فوغت الوكالات الحكومية بتقديم خطة إصلاح أولية بحلول منتصف مارس الفائت. وهو نفس الإنذار الذي أصدره الرئيس ترامب للوكالات الحكومية للالتزام بهذا الموعد النهائي لما سُمِّي المرحلة الأولى. على أن تقدم الوزارات والهيئات الحكومية خططها للمرحلة الثانية بحلول 14 إبريل 2025. ومن بين تفاصيل أخرى، يجب أن تتضمن هذه الخطط، مخططاً تنظيمياً للولاية المستقبلية وتوثيقاً لجميع التخفيضات، بما في ذلك الوظائف (بدوام كامل)، والوظائف المؤقتة وعقود التوظيف المحددة المدة، والمستفيدين من معاشات التقاعد المُعاد توظيفهم، ونشاطهم العقاري.
راسل فوغت أفتى في مقابلة له مع الصحفي تاكر كارلسون، بأن مكتب الإدارة والميزانية هو المركز العصبي للميزانية الفيدرالية، وأن لديه القدرة على إيقاف الإنفاق الجاري في الوكالات والتحكم في جميع عمليات التنفيذ الحكومية. وإنه يتعين على الرؤساء الأمريكيين (يقصد الرئيس ترامب تحديداً بطبيعة الحال)، أن يستخدموا مكتب الإدارة والميزانية لترويض البيروقراطية، أي الدولة الإدارية، وأن يشارك في جميع جوانب عملية وضع السياسات في البيت الأبيض، وأن يصبح قوياً بما يكفي لتجاوز بيروقراطيات الوكالات التنفيذية.
هكذا، في غضون بضعة أسابيع، فعل الرئيس ترامب بالوزارات والهيئات والوكالات الحكومية، ما لم يتخيل حدوثه حتى صاحب «مشروع 2025» نفسه. شعبوية اقتصادية هدفها المعلن هو الفعالية، وهدفها المضمر، تصفية مراكز القوى المحسوبة على الحزب الديمقراطي، برؤية «واضحة»: تسريح العاملين على نطاق واسع، والتخلص مما تبقى من شبكات أمان لحماية المستهلك، مع ما سيرافق ذلك من تضخم زاحف، وبورصات بات يبحث مستثمروها عن آخر الملاذات الآمنة التي يحتلها حتى الآن الذهب ومن بعده الفضة.
* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
أخبار متعلقة :