ترجمة - هآرتس *
عندما احتل الجيش الإسرائيلي قبل عدة أشهر المنطقة الفاصلة السورية واستولى في المقابل على قمة جبل الشيخ، وقفتُ مستغرباً. أعرف جيداً المنطقة الفاصلة السورية التي لا يوجد فيها موقع واحد فيه قوات، وذلك خلال المرات العديدة التي تسللت فيها إلى الأراضي السورية عندما أشرفت على عمليات سرّية. كما أعرف قمة جبل الشيخ جيداً بصفتي أحد قادة قوة سييرت متكال في وحدة متسلقي الجبال في أثناء احتلالها سنة 1974 قبل توقيع اتفاق فصل القوات بين إسرائيل وسورية. والمنظر من قمة الشيخ الذي يطل على العاصمة دمشق يحبس الأنفاس. وعلى الرغم من ذلك، فقد سألت نفسي: ما الفائدة العملانية من احتلال هذه المناطق الآن تحديداً؟
لا حاجة إلى أن تكون استراتيجياً كبيراً كي تفهم أن سورية، أو ما تبقّى منها بعد سقوط الأسد، ضعيفة أكثر مما كانت قبل سقوطه (حينها كانت ضعيفة أيضاً). لأكثر من 8 أعوام، خاضت إسرائيل المعركة بين الحروب في سورية، التي وضعت لها 3 أهداف رئيسية: الحد من تهريب السلاح المتطور من إيران عبر سورية إلى حزب الله في لبنان، وتقليص تمركز إيران في سورية، وضرب تمركز حزب الله جنوبي دمشق.
طوال هذه الأعوام، لم تظهر أي مطالبة، لا من المستوى السياسي ولا من المستوى العسكري في إسرائيل، لخرق اتفاق فصل القوات بين الدولتين الموقَّع في سنة 1974 بعد حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973]، وللسيطرة على جزء من المنطقة المنزوعة السلاح أو عليها كلها.
فهل برز سبب استراتيجي الآن تحديداً؟ وذلك بعد أن طرد الحاكم الجديد في سورية أحمد الشرع (الجولاني) الإيرانيين من سورية، وبعد أن تلقّى حزب الله ضربة قاسية في حرب السيوف الحديدية، ومنذ ذلك الوقت وهو يتمركز في لبنان؟ هل الآن تحديداً يجب أن نخرق اتفاقاً حرص الطرفان على احترامه بالكامل تقريباً طوال 50 عاماً؟
ربما يقول البعض إن هناك فرصة سنحت بعد سقوط الأسد. لكن هذا يشبه القول إنه بعد سقوط حكم مبارك في مصر وصعود الإخوان المسلمين إلى الحكم بقيادة محمد مرسي كان هناك ما يبرر احتلال شبه جزيرة سيناء من جديد.
ربما يدّعي البعض أن المقصود ليس الخوف من اقتحام الجيش فجأة هضبة الجولان كما جرى في حرب يوم الغفران، إنما الخوف من الميليشيات الإسلامية "المتطرفة" التي ستحاول محاكاة هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر. صحيح أنه يوجد تهديد ممكن كهذا، لكن ثمة شك في أن علاجه هو اختفاء المنطقة الفاصلة في سورية (منطقة تبلغ مساحتها عدة كيلومترات شرقي الخط الذي يشكل حدوداً بين إسرائيل وسورية)، وذلك عبر احتلال أراضي دولة مجاورة وانتهاك اتفاق ثابت وقّعته إسرائيل.
هذه منطقة فاصلة من أجل الإنذار، وهي أوسع كثيراً من "الإطار" على طول حدود قطاع غزة (منطقة تمتد على طول الحدود مع القطاع والمخطط أن يبلغ عرضها مئات الأمتار). لست ضليعاً في حجم القوات الدقيق الذي يحتفظ به الجيش الإسرائيلي الآن في الأراضي السورية، لكن لا شك لدي في أن حجم هذه القوات المنتشرة على طول الخط الحدودي وإلى الغرب منه مع وجود منطقة فاصلة شرقاً لا توجد فيها قوات سورية من أي نوع كان سيشكل رداً على هجوم مفاجئ للتنظيمات "الإرهابية".
إن التطلع الإسرائيلي إلى بقاء سورية ضعيفة ومستضعفة، من دون قوات أجنبية واضح للغاية. ومع ذلك، ففي الشرق الأوسط لا ينشأ أي فراغ من التدخل الأجنبي في المناطق التي يكون فيها الحكم المحلي ضعيفاً. قبل عدة أعوام، أدرك كل من روسيا وإيران ضعف سورية جرّاء الحرب الأهلية وتمركزا فيها. وعَقِبَ الحرب الروسية – الأوكرانية، تراجع النفوذ الروسي في سورية، وبعد سقوط الأسد، ابتعد عن سورية. وهكذا نشأ الفراغ الذي تحاول تركيا دخوله بكل قوتها.
القضاء على إسرائيل ليس حجر الأساس في الاستراتيجيا التركية، وليس لدى تركيا برنامج نووي، ولا يفصلها عن القنبلة النووية قرار من الحاكم. لذلك، فمن الواضح للجميع أن سورية تحت النفوذ التركي ستكون أقل خطراً على أمن إسرائيل من سورية الواقعة تحت التأثير الإيراني. وبناء على ذلك، فمن غير المفهوم لماذا تصر إسرائيل على دخول مواجهة مع تركيا في هذه الفترة تحديداً.
في نظرة أكثر عمقاً واتساعاً، من الممكن صدور قرار إسرائيلي أميركي لمهاجمة المنشآت النووية في إيران. وفي حالة كهذه، من المهم ضم تركيا إلى العملية، ليس فقط من أجل السماح للطائرات الحربية بالمرور في الأجواء التركية. ومن أجل فهم هذا الأمر، لم نكن في حاجة إلى كلمات "الحب" التي أغدقها الرئيس ترامب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بوجود نتنياهو.
لماذا تتصرف إسرائيل بهذه الطريقة؟ هناك 3 أساب ممكنة، وربما مجتمعة: السبب الأول، عدم وجود تفكير سياسي استراتيجي. والسبب الثاني، رغبة رئيس الحكومة في صرف الاهتمام عن المخطوفين الذين يحتضرون في الأنفاق في غزة، بينما هو يدرك أن تحريرهم لن يتحقق بعملية عسكرية. والسبب الثالث هو نشوة القوة.
* عومر بار ليف
أخبار متعلقة :