اخبارك الان

ملاءمة المنتج للسوق .. لماذا نجح تيك توك وفشلت جوجل؟ - اخبارك الان

قبل تأسيس أي مشروع تجاري أو مالي أو اقتصادي، مهما كان حجمه أو طبيعة نشاطه، لا بد من عمل "دراسة سوق"، لتقصي احتمالات نجاح المشروع وطبيعة المنافسة والفترة المنتظرة قبل تحقيق الأرباح وغير ذلك من العناصر المهمة لتقييم فرص النجاح، ويبقى العنصر الأهم المنتج نفسه ومدى وجود مستهلكين يريدون الحصول عليه.

 

ولأن تفضيلات المستهلكين تتغير باستمرار، يبقى على الشركات أن تعيد دراسة موقفها أيضًا ومدى ملاءمة منتجاتها للسوق في الوقت الحالي، والاهتمام أيضًا بتوقعات اهتمامات المستهلكين مستقبلًا كي يتم التطوير بشكل يواكب تغيرات تفضيلات المستهلكين وليس بعدها.

 

 

"شاترستوك" والذكاء الاصطناعي

 

يمكن تعريف "ملاءمة المنتج للسوق" بأنها الدرجة التي يلبي بها منتج أو خدمة ما احتياجات السوق المستهدف، أي أن المفهوم يعني ببساطة "وجود منتج رائع يريده الناس بشدة"، وهذا يعني أن المنتج ينجح في معالجة مشكلة واقعية لدى مجموعة كبيرة من العملاء الذين يبدون استعدادهم لشرائه واستعماله والتحدث عنه بإيجابية.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

وتُعد سرعة شراء العملاء للمنتج، ومعدلات الاحتفاظ المرتفعة به، والنمو العضوي الناتج عن التوصيات الشخصية، وردود الفعل الإيجابية من المستخدمين، مؤشرات قوية على تحقيق هذه الملاءمة.

 

فهل هذا الأمر سهل التحقيق؟ وكيف يمكن للشركات الفشل والنجاح في مواءمة منتجاتها مع السوق؟

 

ويمكننا أن نضرب المثل بشركة مثل "شاترستوك" المتخصصة في تقديم تصميمات وصور ورسوم بيانية وتوضيحية تعاني الآن من مدى ملاءمة منتجاتها للسوق، ففي ظل "إغراقه" بكمية كبيرة من المواقع والتطبيقات القادرة على توليد الصور بالذكاء الاصطناعي، سواء تلك التي تبدو حقيقية أو التعبيرية أو الكارتونية، فإن "شاترستوك" أصبحت تقدم منتجًا تتراجع أهميته في السوق ويفقد مكانه بشكل متزايد.

 

ولعل ذلك هو السبب الذي جعل الشركة تفقد حوالي 87% من قيمتها السوقية بين القمة التي وصل إليها سهمها في نوفمبر 2021 وبين بداية أبريل 2025، بينما فقد السهم 64% من قيمته أيضًا خلال عام واحد بين بداية أبريل 2024 وبداية أبريل 2025، بما يوضح التناقص الكبير في قيمة التطبيق في نظر المستثمرين، خاصة مع تخوفهم ليس فقط من نتائج الشركة الحالية ولكن من مستقبلها.

 

وما يثير المزيد من القلق حول عدم ملاءمة منتجات الشركة للسوق حقيقة أنها لا تزال تصر على عدم الاعتراف بالصور الحقيقية التي يتم تعديلها جزئيًا باستخدام بعض أدوات الذكاء الاصطناعي مثل برنامج "شاربن إي أي" على سبيل المثال، فما يجعل المستثمرين يتخوفون من تأقلم منتجات الشركة مع السوق المستقبلي في ظل منتجات أكثر تنوعًا وأرخص -بعضها مجاني.

 

وعلى الرغم من ذلك فإن بعض التحليلات، ومنها تحليل لـ"سي.إن.إن" لمستقبل الشركة، يرى أنه على مالكي السهم في الوقت الحالي عدم بيعه، بل يرى 25% من المحللين أن عليهم شراء السهم بوصفه فرصة للارتداد صاعدًا في ظل مضاعف ربحية 15.5، مما يقل عن المتوسط في قطاع التكنولوجيا بدرجة كبيرة، وتوزيع الشركة لأرباح بشكل مستمر أيضًا.

 

 

قرارات مهمة

 

ولكن على الشركة هنا أن تتخذ قرارات واضحة و"صعبة" تتعلق بنشاطها وكيفية التسويق لمنتجاتها، وذلك بناء على إعادة دراسة السوق، فإن لم تكن هناك مساحة للصور والتصميمات الأصلية البشرية، فإن عليها التخلي عنها، ولكن إن كانت هناك مساحة مستمرة فعليها التأكيد على ذلك وعلى فكرة "الأصالة" في حملات تسويقية تستهدف فئات بعينها تكشف أبحاث السوق حاجتهم لاستمرار مثل هذا المنتج.

 

ويمكن للشركة أيضًا عمل "مزيج رمادي" بمعنى تقديم منتجات أصلية وأخرى هجينة، ولكن ذلك كله رهينة بإعادة دراسة السوق في الوقت الحالي، والأهم اتجاهات المستقبل، وتقدير دور الذكاء الاصطناعي المتصاعد، وانغماس كثيرين في السوق.

 

والأزمة الحقيقية التي تعترض الشركة، والشركات المشابهة في عالم توليد المحتوى سواء المقروء أو المسموع أو تتم مشاهدته أن مسألة تعويض أصحاب المحتوى عن استخدام مساهماتهم من قبل الذكاء الاصطناعي لا تزال محل جدل قانوني حول كيفية تطبيقها، بما يزيد من ضبابية المشهد لدى متخذ القرار للبقاء "مناسبًا" للسوق.

 

جوجل بلاس أم تيك توك

 

وهناك مثال صارخ في عالم مواقع التواصل الاجتماعي لمدى ملاءمة منتجات الشركة للسوق من عدمه، فعندما قدمت "جوجل" منتجها "جوجل بلاس" للمنافسة في عالم التواصل الاجتماعي كانت هناك توقعات كبيرة للموقع بسبب مكانة مقدم الخدمة.

 

وبسبب عدم وجود احتياج حقيقي لخدمات "جوجل بلاس" في ظل وجود فيسبوك وإنستغرام وتويتر كان عليها تقديم "تجربة مختلفة" للمستخدم وهو ما لم يحدث بشكل عملي، بما أدى لوصول عدد المستخدمين في أقصاه إلى رقم ضخم نظريًا، وهو نصف مليار مستخدم، لكن واقعيًا فإن قرابة 90% منهم لم يستخدم الموقع إلا مرة أو مرات محدودة وبقي عدد المستخدمين الواقعيين محدودًا للغاية.

 

ماذا كانت النتيجة؟

 

اضطرار جوجل للإعلان عام 2019 عن إغلاقها للمشروع، الذي كلف إطلاقه فقط في عام 2011 أكثر من 585 مليون دولار، وبحساب تكلفة التشغيل والإعلانات وتكلفة الفرصة المفقودة فإن جوجل خسرت المليارات على مدى الثماني سنوات التي أبقت فيهم على منتج "جوجل بلاس" الذي لم يكن يضيف جديًدا بل استنسخ تجربة "فيسبوك" بشكل أكثر تعقيدًا فلم يكن ملائمًا لسوق التواصل الاجتماعي الذي يعد التبسيط من أهم أركانه.

 

 

في المقابل، فإن تطبيق مثل "تيك توك" قدم فكرة بسيطة للغاية تقوم على أقصى درجات التبسيط للمستخدم، وهو ملائم للغاية لسوق التواصل الاجتماعي، والذي يريد الكثير من المستخدمين فيه أقصى درجات السهولة، من خلال آلية التصفح نفسها عبر النزول مرة واحدة لأسفل على شاشة الجوال لاستعراض الفيديوهات المختلفة، وهو ما استلهمته تطبيقات أخرى مثل الريلز على فيسبوك وإنستغرام وغيرها لاحقًا.

 

ماذا كانت النتيجة؟

 

الوصول إلى قيمة منتج تقدر حاليًا بين 100-200 مليار دولار في أبريل 2025، في حال بيع التطبيق بشكل كامل بما في ذلك الخوارزمية التي تعمل عليها، والتي تصر "تيك توك" على جعلها سرية، ولكن يبقى العنصر الأهم في النجاح هو توفير منتج ملائم لاحتياجات السوق، ويتمتع بمستهلكين جاهزين للاستيعاب والتوسع في الاستهلاك بل وعمل دعاية شخصية -وهي أفضل أنواع التسويق- للمنتج.

 

سلاك نموذجًا

 

وهناك أمثلة إيجابية أخرى على فكرة التكيف مع السوق، ولعل أبرزها استغلال الفرصة في حالة تطبيق "سلاك" الذي ظهر بوصفه أداة للتواصل داخل إحدى الألعاب الإلكترونية، ولكن مع فشل هذه اللعبة تجاريًا، رأى القائمون على "سلاك" أنه يمكن الاستفادة منه بشكل أكبر من خلال تحوله لأداة تواصل بين فريق العمل في الشركات وهو ما تم بالفعل.

 

وفي عام 2021 ومع احتدام أزمة كورونا تضاعفت قيمة أسهم "سلاك" في بورصة نيويورك بوصفه تطبيقًا ذا استخدام واسع من الشركات وتزايد استخدامه بشكل لافت مع لجوء العديد من الشركات إلى نظام العمل من المنزل أو حتى العمل الهجين، بما رفع قيمة السهم من 22 دولاراً في ديسمبر 2020 إلى 45 دولاراً في يونيو 2021 قبل أن يوافق حملة الأسهم على بيع الشركة بالكامل لشركة "سيلزفورس" وربحوا الملايين من وراء هذا الاستخدام الجيد للمنتج.

 

 

ومما سبق يمكن القول إن هناك "مفاتيح" أساسية لا يجب إغفالها من أجل ضمان ملاءمة المنتج للسوق ومن ثم تحقيق الشركة للنجاح من ورائه، وأهم تلك المفاتيح:

 

الاستماع للمستخدمين: الشركات التي تحقق النجاح تصغي جيدًا لآراء المستخدمين وتقوم بتعديل استراتيجياتها بناءً على هذه الملاحظات.

 

حل مشكلة واقعية: المنتجات التي تلاقي رواجًا تقدم حلولًا لمشاكل حقيقية وملموسة، بينما غالبًا ما تفشل المنتجات التي تحاول إيجاد مشاكل لحلولها.

 

البدء بنطاق محدود: العديد من الشركات الناجحة تمكنت من تحقيق ملاءمة المنتج للسوق من خلال التركيز على شريحة صغيرة من المستخدمين في البداية قبل التوسع لاحقًا.

 

التكيف المستمر: إن تحقيق ملاءمة المنتج للسوق ليس هدفًا يتم الوصول إليه مرة واحدة، بل هو عملية مستمرة تتطلب التكيف مع الاحتياجات المتغيرة للسوق.

 

والمؤكد أن تحقيق ملاءمة المنتج للسوق فهم عميق لاحتياجات العملاء، ومرونة في التكيف والتغيير، والتركيز على توفير قيمة حقيقية بدلًا من مجرد التركيز على الجوانب التقنية أو التصميمية، ويزداد هذا الأمر أهمية مع التغيرات العنيفة الحادثة في هيكل الاقتصاد العالمي في الفترة الحالية من جهة، والتغير السريع سواء في أذواق المستهلكين أو في التكنولوجيا في عصر الذكاء الاصطناعي من جهة أخرى.

 

 وأشهر قول هنا يأتي لمدير فولكس فاجن التنفيذي السابق "برينت ريشتررايدر"، الذي قال إنه لا يهتم بمواصفات السيارة، المهم أن تجد من يحبها ويشتريها، وهذا لا يتأتى بقوة المحرك وسلاسة الأداء فحسب، ولكن بإدراك الشركة لاحتياجات المستهلك، وأن يعلم المستهلك المحتمل بأن السيارة تلبي احتياجاته، وجعل هذا الأسلوب منهجه في إدارة الشركة بين الأنجح في تاريخ الشركات الألمانية.

 

المصادر: أرقام- سي.إن.إن- فوربس- نيويورك تايمز- وول ستريت جورنال- برودكت بلان

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

أخبار متعلقة :