من الرقابة إلى التمليك.. أبعاد قانونية وتنموية في حزمة العقار الجديدة - اخبارك الان

0 تعليق ارسل طباعة
في لحظة مفصلية تعيشها السوق العقارية في المملكة، جاءت توجيهات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بشأن الأراضي الواقعة شمال مدينة الرياض بمثابة تحوّل تنظيمي عميق لا يستهدف حلاً مؤقتاً، بل إعادة هيكلة متكاملة لمعالجة أزمة طال أمدها، بأسلوب يجمع بين الحزم والمرونة، ويوازن بين النمو العمراني والعدالة الاجتماعية، وبين حماية السوق وتمكين المواطن.

هذه التوجيهات، وعلى رأسها رفع الإيقاف عن التصرفات القانونية على أكثر من 81 كيلومتراً مربعاً من الأراضي شمال العاصمة، تمثل نقلة نوعية في السياسة العقارية، تعكس إدراكاً عميقاً لجذور الأزمة. فالإيقاف الطويل عن البيع والتجزئة والبناء خلق فراغاً تنظيمياً استغله بعض المستثمرين في رفع الأسعار، وساهم في تجفيف المعروض الفعلي، ما أدى إلى فقدان السوق لتوازنها الطبيعي. الآن، تعود الأرض إلى وظيفتها الأساسية، لا كوسيلة للاحتكار أو المضاربة، بل كوعاء للتنمية ومصدر للسكينة الأسرية.

وما يميّز هذا التوجه أنه لا يتوقف عند فك القيود، بل يضع آلية عملية لتوفير قطع أراضٍ سكنية مخططة ومطورة للمواطنين، وبسعر لا يتجاوز 1500 ريال للمتر المربع، وهو رقم لا يمثل فقط فرصة عادلة للتمليك، بل أيضاً رسالة قوية بأن الدولة تتدخل حين تصبح الأسعار عبئاً غير مبرر على المواطن. والأهم من ذلك، أن هذا التمكين لا يأتي دون شروط، بل يرتبط بالجدية والالتزام، إذ يمنع التصرف بالأرض قبل مرور عشر سنوات، ويشترط البناء خلالها، مما يمنع المضاربة، ويحفظ الهدف الأساسي وهو الاستقرار السكني لا المتاجرة العقارية.

في السياق ذاته، يأتي التوجيه العاجل بإعادة النظر في نظام رسوم الأراضي البيضاء خلال 60 يوماً كخطوة إصلاحية تنسجم مع فلسفة العدالة العمرانية. فقد أثبت الواقع أن الرسوم بصيغتها الحالية فقدت أثرها التحفيزي، وأصبحت بالنسبة لبعض الملاك تكلفة يمكن تحملها دون الحاجة للتطوير. التعديل القادم من المنتظر أن يعيد لهذه الأداة قوتها كوسيلة تشجع على تطوير الأراضي أو عرضها للبيع، وبالتالي تدفع باتجاه تفعيل الدورة العقارية.

أما ضبط العلاقة بين المؤجر والمستأجر خلال 90 يوماً، فهو اعتراف ضمني بأن أزمة السكن ليست في التمليك فقط، بل في كلفة السكن ككل، وأن الكثير من المواطنين يعيشون ضغوطاً داخل سوق الإيجار غير المنظمة، ما يستدعي تدخلاً تشريعياً ينظم العلاقة ويمنع التعسف من أي طرف. هذه الخطوة المنتظرة ستخلق بيئة أكثر استقراراً، وتحفز الثقة في الإيجار كسكن مؤقت دون استغلال.

ولعل من أبرز ملامح الرؤية المتكاملة في التوجيهات الأخيرة، تكليف الهيئة العامة للعقار والهيئة الملكية لمدينة الرياض بمتابعة الأسعار ورفع تقارير دورية. فالمعلومة الدقيقة والحديثة هي الأساس لأي قرار ناجح، ولا يمكن تنظيم السوق أو تقييم الأداء دون مؤشرات واضحة وشفافة. الرقابة هنا ليست عشوائية، بل منهجية تهدف إلى تقويم الاعوجاج قبل تفاقمه، وتقديم تصور مستمر لصانع القرار حول حالة السوق.

في المحصلة، نحن أمام حزمة تنظيمية مدروسة، لا تعالج أزمة العقار بأسلوب انفعالي أو مؤقت، بل تقدم حلولاً متدرجة تراعي التوازن بين التنمية والعدالة، وبين مصلحة الدولة والمواطن. ولي العهد لم يوجّه فقط نحو تحرير الأراضي، بل رسم خارطة طريق تبدأ من الرقابة وتنتهي بالتمليك، وبينهما منظومة من القوانين والضوابط التي تحمي السوق وتخدم المواطن وتضمن استدامة النمو العمراني المتوازن. وتثبت هذه التوجيهات مجدداً أن ولي العهد يضع المواطن ومصلحته في صميم أولوياته، لا بوصفه طرفاً مستهلكاً فحسب، بل بوصفه ركيزة التنمية وغايتها. تلك هي القيادة التي لا تجمّل الواقع، بل تتعامل معه بحكمة، فتصلحه بثبات دون ضجيج.

أخبار ذات صلة

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق