يعيش السعوديون اليوم في بيئة حضرية متطورة، لكن بالرغم من هذا التقدم يبقى الحنين إلى الماضي جزءًا لا يتجزأ من هويتهم.
يظهر هذا الحنين جليًّا في الاهتمام المتزايد بالأعمال الدرامية التي تستحضر زمن الأجداد، مثل مسلسل “شارع الأعشى”، الذي سلط الضوء على حقبة الستينيات في الرياض، وأعاد إلى الأذهان تفاصيل الحياة البسيطة قبل الطفرة الاقتصادية والتكنولوجيا الحديثة.
الحنين إلى الماضي.. لماذا؟
1. الهوية الثقافية والجذور: يشعر السعوديون بارتباط وثيق بتراثهم؛ إذ تمثل حياة الأجداد نموذجًا للأصالة والتقاليد العريقة. فالعادات الاجتماعية، كالجيرة القوية والمجالس الدافئة والتكاتف الأسري، كانت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، وهو ما يفتقده البعض في عصر الحداثة.
2. الحياة البسيطة والرضا: في زمن الأجداد كانت الحياة أكثر بساطة وأقل تعقيدًا؛ إذ لم يكن هناك ضغط الحياة السريعة والتكنولوجيا المتسارعة.
والاعتماد على الذات، والاكتفاء بالقليل، والعلاقات الاجتماعية القوية كانت تعطي للحياة معنى مختلفًا وأكثر دفئًا.
3. الروابط الاجتماعية القوية: في الماضي كانت المجتمعات السعودية أكثر تماسكًا؛ إذ يجتمع الجيران يوميًّا، ويتشاركون الأفراح والأتراح، وكان الأطفال يلعبون بحرية في الأزقة دون قلق. هذا التضامن الاجتماعي أصبح نادرًا في ظل الحياة العصرية التي تفرض عزلة نسبية بسبب العمل والتكنولوجيا.
4. جمال البساطة في البيوت والأسواق: المسلسلات التي تتناول حقبة الأجداد، مثل “شارع الأعشى”، تعكس الحنين إلى المنازل الطينية، والأسواق الشعبية، والمهن القديمة التي كانت تعطي لكل شارع هوية خاصة.
فـمسلسل “شارع الأعشى”، المقتبس من رواية بدرية البشر، أعاد تجسيد الرياض في الستينيات؛ إذ الحياة كانت تدور حول الحارات البسيطة، والمحال التجارية الصغيرة، والعلاقات العائلية القوية، والتقاليد التي كانت تحكم المجتمع.
وتناول المسلسل قصص الحب والصراعات الاجتماعية، لكنه في جوهره كان احتفاء بزمن مختلف، زمن الحارات القديمة والشوارع التي تحمل عبق الذكريات.
الدراما والنوستالجيا
يُظهر نجاح هذا المسلسل تعطش السعوديين للأعمال التي تعيدهم إلى أجواء الأجداد.. فالمُشاهد لم يكن يشاهد مجرد قصة درامية، بل كان يعيش تجربة نوستالجية، تعيده إلى جذوره، إلى ذلك الزمن الذي كانت فيه الحياة أبطأ، لكنها ربما كانت أكثر دفئًا وإنسانية.
الاشتياق إلى حياة الأجداد ليس مجرد حنين عابر، بل هو بحث عن الأصالة والقيم التي صاغت هوية المجتمع السعودي.
وربما يكون مسلسل “شارع الأعشى” مجرد مثال على هذه المشاعر العميقة، لكنه بالتأكيد ليس الأخير؛ فالسعوديون سيظلون يجدون في الماضي نافذة، يطلون منها على زمن كان –بالرغم من صعوباته– يحمل بساطة وجمالًا يفتقدونهما اليوم.
0 تعليق