نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
اضطراب «فرط الحركة».. أعراض صاخبة لمعاناة صامتة - اخبارك الان, اليوم الأحد 18 مايو 2025 11:38 مساءً
أكد مختصان في الطب النفسي والاجتماعي أن الإهمال ونسيان التفاصيل وعدم القدرة على إنجاز المهام والاندفاعية في اتخاذ القرارات - وغيرها من السلوكيات التي تفسر مجتمعياً، في الأغلب، على أنها «دلَع» أو سلوك ناتج عن «قلة التربية» - تتطابق مع الأعراض التي يسببها اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، الذي يصيب 5 إلى 7% من الأطفال، وتستمر أعراضه لدى 2.5 إلى 4% منهم إلى ما بعد سن البلوغ.
وقالا لـ«الإمارات اليوم» إن عدم التشخيص المبكر لهذا الاضطراب، على الرغم من أعراضه «الصاخبة»، تنتج عنه سنوات من المعاناة الصامتة لدى المصابين، في ظل ما يتعرضون له من مضايقات، نفسياً واجتماعياً ومهنياً، نتيجة التفسير الخاطئ لتصرفاتهم.
وتفصيلاً، شرح استشاري الطب النفسي، الحاصل على الزمالة الكندية في اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، الدكتور معاذ الزرعوني، أن «اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه هو اضطراب نمائي عصبي مزمن يبدأ في الطفولة، وقد يستمر مدى الحياة إذا لم يُشخّص ويُعالج بالشكل الصحيح».
وأضاف أن الأعراض وحدّتها وتأثيرها في الحياة اليومية وتكرارها، هي ما يستدعي التدخل والتشخيص، لأن بعض التصرفات يُفسّر مجتمعياً على أنه «دلَع» أو «قلة تربية»، فيما هي أعراض غير مُشخصة للاضطراب، لاسيما أنه يصيب 5% إلى 7% من الأطفال، وتستمر الأعراض لدى 2.5% إلى 4% منهم إلى ما بعد سن البلوغ.
وحول طبيعة الأعراض لدى البالغين، قال الزرعوني إنها تشمل صعوبة التركيز، ونسيان المواعيد، وتأجيل المهام، والاندفاع في اتخاذ القرارات.
وقال: «قد يُنظر إلى هذه السلوكيات في بيئة العمل على أنها إهمال أو عدم التزام، في حين أنها ناتجة عن اضطراب يؤثر مباشرة في تنظيم الوقت والانتباه».
وأضاف: «يعاني كثير من المصابين حساسية الرفض، ما يجعلهم يتأثرون بانتقادات بسيطة، ويؤدي ذلك إلى توتر علاقاتهم المهنية، ويضخم شعورهم بعدم التقبل، على الرغم من تمتعهم بالذكاء والابتكار، ما يحوّل بيئة العمل إلى مصدر ضغط بدلاً من أن تكون محفّزاً للإبداع».
وأكد أن تحديات الاضطراب لا تتوقف عند حدود العمل، بل تمتد إلى نمط الحياة اليومي، حيث يعاني المصابون اضطرابات نوم وعادات غذائية غير منتظمة، إضافة إلى ضعف الدافعية تجاه ممارسة الرياضة أو الأنشطة الاجتماعية، ما يؤثر سلباً في جودة الحياة.
وحول تأخر تشخيص الاضطراب لدى البالغين، قال إنه يقود إلى سنوات من المعاناة الصامتة وسوء الفهم للذات، كما أن كثيراً من المصابين يمرون بتجارب فاشلة، وشعور بالتشتت، وضعف الثقة بالنفس، من دون معرفة السبب الحقيقي، ما يدفعهم أحياناً إلى اتخاذ قرارات خاطئة في العمل والعلاقات، أو يعرضهم للقلق والاكتئاب.
وأضاف أن بعض المرضى يصلون إلى العيادة بعد سنوات من المعاناة، ويعبّرون عن «شعور بالراحة الممزوجة بالحزن»، وبعد التشخيص يكتشفون أن ما عانوه لم يكن ضعفاً في الشخصية أو فشلاً، بل كان اضطراباً عصبياً يمكن التعامل معه.
وذكر أن الاضطراب قد يتخفى وراء اضطرابات نفسية أخرى، ما يصعّب عملية التشخيص، فقد يُشخّص المصاب بالقلق أو الاكتئاب بسبب التوتر أو الشعور المتكرر بالفشل، وقد تُفسَّر اندفاعيته وصعوبة بناء العلاقات الاجتماعية على أنها علامات على اضطراب الشخصية الحدية أو اضطراب ثنائي القطب.
كما شدد على ضرورة وعي الأطباء والمعالجين بكيفية تداخل هذه الاضطرابات، وأهمية استخدام أدوات تشخيص دقيقة، تشمل تقييماً شاملاً للتاريخ الطبي والنفسي منذ الطفولة، إلى جانب فحص وجود اضطرابات مصاحبة، لتفادي الخلط بين الأعراض.
وأكد أن مرحلة المراهقة تُعدّ من أكثر المراحل حساسية لتشخيص الاضطراب، حيث تزداد الضغوط الدراسية والاجتماعية، وتتكون فيها ملامح الشخصية.
وأوضح أن المؤشرات المبكرة تتضمن التراجع الدراسي، رغم الذكاء الجيد، بسبب صعوبات في التركيز والتنظيم، إضافة إلى سلوكيات اندفاعية تُفهم في الأغلب بشكل خاطئ على أنها تمرد أو عدم احترام، في حين أنها نتيجة لخلل في التنظيم الانفعالي.
وأضاف أن كثيراً من المصابين يعانون أيضاً صعوبات في العلاقات الاجتماعية، نتيجة فرط الحساسية أو ضعف قراءة الإشارات الاجتماعية، ما يؤدي إلى شعور بالعزلة وتدنٍ في تقدير الذات، إلى جانب توتر العلاقات الأسرية بسبب ضعف التعبير.
وأشار إلى أن هذه التحديات قد تدفع المراهقين نحو سلوكيات محفوفة بالمخاطر، مثل تعاطي المواد المنبهة أو المخدرة، بحثاً عن التحفيز أو هرباً من المشاعر غير المفهومة.
كما حذّر من أن غياب التشخيص المبكر يزيد من احتمالات تطور اضطراب استخدام المواد (Substance Use Disorder)، مؤكداً أهمية التدخل العلاجي والدعم الأسري والنفسي، لحماية المراهق وتوجيهه بشكل إيجابي.
وأكد الزرعوني أن تشخيص اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه لدى البالغين يُعدّ من أكثر الجوانب تعقيداً في الطب النفسي، نظراً إلى تغيّر شكل الأعراض مع التقدم في العمر، وتشابهها مع اضطرابات أخرى.
وأوضح أن كثيراً من البالغين لا يدركون أن أعراضهم ممتدة منذ الطفولة، ويصلون إلى التشخيص بعد أن تتفاقم الصعوبات في مراحل لاحقة كالدراسة أو العمل أو الزواج، وقد يتم تشخيصهم بالقلق أو الاكتئاب فقط، من دون إدراك أن هذه الأعراض قد تكون انعكاساً لاضطراب فرط الحركة.
وأفاد بأن النهج العلاجي الأكثر فاعلية لهذا الاضطراب يعتمد على دمج العلاج الدوائي بالعلاج السلوكي، حيث يُسهم كلٌ منهما بدور تكاملي في تحسين جودة الحياة اليومية للمصابين.
وأوضح أن الأدوية المحفّزة (Psychostimulants) تُعدّ الخيار العلاجي الأول، وتتوافر بصيغ سريعة أو ممتدة المفعول، وتعمل على تحسين الوظائف التنفيذية للدماغ، ما ينعكس إيجاباً على التركيز، والسلوك، والإنتاجية، كما توجد بدائل غير منشطة، تُستخدم في حال عدم مناسبة المحفزات لبعض الحالات.
وأشار إلى أن العلاج السلوكي المعرفي (CBT) يُساعد في بناء مهارات عملية، مثل إدارة الوقت، وتقليل التشتت، وتحسين القدرة على اتخاذ القرار، إضافة إلى تعزيز فهم المصاب لطبيعة اضطرابه، وتمكينه من التعامل معه بثقة وفعالية.
وأوضح أن دور الأخصائي لا يقتصر على العلاج، بل يبدأ بالتشخيص الدقيق للتمييز بين الأعراض الأساسية للاضطراب وتلك الناتجة عن مشكلات نفسية أخرى، ففي بعض الحالات، يكون التحكم في ADHD كافياً لتحسين الأعراض النفسية الثانوية من دون الحاجة إلى علاجات إضافية.
وفي حال وجود اضطرابات متزامنة (Comorbidities)، مثل الاكتئاب أو القلق، شدد على أهمية وضع خطة علاجية مزدوجة تراعي كلا الجانبين.
كما أكد ضرورة توفير بيئة علاجية داعمة، يشعر فيها المريض بالفهم والقبول، ما يُسهم في تطوير أدوات فاعلة للتعامل مع التحديات اليومية، وتحقيق نتائج علاجية أكثر استدامة.
بدوره، أكد مدير مركز الموارد لذوي الإعاقة في جامعة الشارقة، الدكتور أحمد فلاح العموش، أن غياب الوعي المجتمعي باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) لدى البالغين يُسهم في شعورهم بالعزلة والإقصاء، ويؤدي إلى سوء فهم سلوكياتهم، وتأخر التشخيص والعلاج، ما ينعكس سلباً على حياتهم النفسية والاجتماعية.
وأوضح أن الضغوط المجتمعية المبنية على تصورات تقليدية للنضج والانضباط تُشوه الصورة الذاتية للمصاب، وتُشعره بالإحباط والعجز، على الرغم من قدرته على النجاح في بيئة مرنة وداعمة، كما أن عدم فهم الشريك أو الزملاء لطبيعة الاضطراب يُسبب توتراً دائماً، وسوء تفسير للسلوكيات، ويؤثر سلباً في جودة العلاقات.
وأضاف أن الدعم مسؤولية مجتمعية، تقوم على الوعي والتفهم، فالمحيط الواعي يمكن أن يحوّل حياة المصاب من سلسلة من الإحباطات إلى مسار من النمو والثقة بالنفس.
وذكر أن تعزيز ثقافة التفهُّم والتقبُّل تجاه الاضطرابات السلوكية غير الظاهرة، مثل اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، يتطلب جهداً مجتمعياً منظّماً يبدأ بالتوعية المستمرة، عبر إعداد حملات في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام، تشرح ماهية الاضطراب بلغة مبسطة للجميع، وتُبرز الفرق بين السلوك المقصود والسلوك الناتج عن اضطراب، ما يقلل من الأحكام الخاطئة، وأضاف أن إدراج مفاهيم الصحة النفسية والتنوع العصبي في المناهج التعليمية، وتدريب الكوادر التعليمية على فهم اضطرابات مثل ADHD، هو خطوة ضرورية لخلق بيئة تعليمية متفهّمة.
ودعا العموش إلى إبراز النماذج الملهمة من المصابين بـADHD ممن حققوا إنجازات لافتة، لإظهار نقاط قوتهم كالإبداع والطاقة والتفكير المبتكر، مؤكداً أهمية إنشاء مجموعات دعم وحوارات مجتمعية، وسَنّ سياسات احتواء مرنة في المؤسسات، تضمن توفير التسهيلات اللازمة دون وصم.
تجربتان لـ «التشخيص المتأخر»
قالت علياء (25 عاماً) التي تم تشخيصها، قبل بضع سنوات، إن التشخيص كان نقطة تحول إيجابية في حياتها، حيث ساعدها على فهم أسباب التحديات النفسية التي واجهتها، مثل الاكتئاب والقلق.
وأوضحت أنها كانت تشعر بالاختلاف والعجز عن تفسير ما كانت تمر به، خصوصاً خلال المرحلة الجامعية، أثناء دراستها الهندسة، حيث عانت تشتت الذهن وصعوبة التركيز.
وأكدت أن الجلسات العلاجية أسهمت في تخفيف العزلة التي كانت تشعر بها، ومكّنتها من التعبير عن نفسها بثقة، ما انعكس على علاقاتها الاجتماعية وأدائها في العمل.
وأفادت بأن جهة عملها توفّر تسهيلات عدة لأصحاب الهمم، مثل المواقف القريبة، لكنها شددت على الحاجة إلى تعزيز الوعي بين الموظفين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، وعلى الرغم من أنها لم تُفصح عن تشخيصها لمديرها، فإنها عبّرت عن ثقتها بقدرتها على أداء مهامها بكفاءة، مضيفة: «لا أعلم إن كان إخفاء الأمر هو القرار الصائب، لكنني أشعر بأنني أؤدي عملي مثل أي زميل آخر».
وقالت روضة (21 عاماً) التي تم تشخيصها باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في عمر الـ20، إن أكثر ما تواجهه من صعوبات يومية هو إنجاز المهام في وقتها، مضيفة: «غالباً ما أتأخر في إنجاز أعمالي، وأشعر بأنني لا أملك إحساساً دقيقاً بالوقت، لكن حين أنجز المهمة أخيراً بعد كثير من التسويف، تكون النتيجة في الأغلب ممتازة».
وأشارت إلى أن تشخيصها لم يكن مفاجئاً، إذ لطالما شعرت بأنها تعاني هذا الاضطراب، خصوصاً أن شقيقها كان يعانيه أيضاً، وكانت تلاحظ تشابهاً كبيراً في الأعراض بينهما.
وأضافت أن التشخيص ساعدها على فهم نفسها بشكل أعمق، خصوصاً في علاقاتها الاجتماعية، إذ تميل إلى تكوين صداقات مع أشخاص يشاركونها التحديات نفسها.
وأكدت أن دعم أفراد أسرتها وتفهمهم بعد التشخيص كان نقطة تحول كبيرة في حياتها، موضحة: «حين صارحت عائلتي، أدركوا أن ما أمرّ به ليس إهمالاً أو عدم اهتمام، بل طريقة مختلفة في معالجة الأمور»، وأشارت إلى أن هذا التفاهم خفف عنها الشعور بالذنب، ومنحها مساحة أكبر للتعبير عن نفسها، وأكدت أهمية أن يتقبل المصاب تشخيصه المتأخر، مشددة على ضرورة منح النفس الوقت الكافي لفهم الحالة والتعايش معها، إلى جانب توعية المحيطين بها، لما لذلك من دور كبير في خلق بيئة داعمة تُسهم في تحسين جودة الحياة، وتعزيز القدرة على التكيف.
• اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه يصيب 5 إلى 7% من الأطفال.
0 تعليق