«نوناز».. رسائل حب غير تقليدية - اخبارك الان

0 تعليق ارسل طباعة

مارلين سلوم

لا أحد يخطر بباله أن يخصص ساعة و51 دقيقة من وقته لمشاهدة فيلم عن مطعم إيطالي، كيف أنشأه صاحبه، وما هي حكايته، حتى ولو كان مشهوراً في بلده، لكن فيلم «نوناز» لا يحكي قصة مطعم، بل قصة حب للتراث والتقاليد، وأهمية العائلة، وعلاقات المودة بين الأصدقاء، ومعنى الارتباط الحقيقي بين الإنسان وماضيه وطفولته وما نشأ عليه.. فيلم يحكي قصة حقيقية، مازال المكان قائماً وأبطاله أحياء، يأخذك لنحو الساعتين إلى متعة لذيذة تأسرك وتعيدك مباشرة إلى ذكرياتك وطفولتك، وكأنك أحد أبطالها، وترى فيها جداتك وأهلك وأصدقاءك، بل يخترق الشاشة ليحمل إليك مذاق طعم ما يقدمه «مطعم الجدات»، وكأنك تجلس على مائدة فيه، وينتهي بك المطاف أن تتمنى زيارته ولو مرة.

فيلم «نوناز» بدأ عرضه حديثاً على «نتفليكس»، أمريكي بنكهة إيطالية، يوحي لك أنك تعيش في أحياء جزيرة ستاتن الإيطالية، في حين تم تصويره في نيوجيرسي، وقد اختار المخرج المتميز ستيفن تشبوسكي وكاتبة السيناريو ليز ماشي مطعم «سبيريتوس» الشهير عالمياً والمغلق حالياً في إليزابيث نيوجيرسي كموقع لمطعم «إنوتيكا ماريا» والمعروف بمطعم الجدّات، وقدم تشبوسكي تحية لمؤسس وصاحب سبيريتوس بإحياء ذكراه من خلال لفتة ذكية وعربون وفاء.
ينطلق تشبوسكي بالأحداث من بروكلين قبل 40 عاماً، يلحق بكاميرته الفتى الظريف جوي وهو يتنقل في الشوارع ذاهباً ليشتري المخبوزات والزلابية المميزة جداً من أحد المحال المشهورة، ويعود ليسلمها (ناقصة طبعاً لأنه التهم نصفها على الطريق)، لأمه وجدته أثناء إعدادهما الطعام في المطبخ وقد امتلأ البيت بالضيوف. جوي يتأمل بانبهار جدته وهي تطهو صلصة المرق التي اعتادت طهوها يوم الأحد من كل أسبوع وهي شديدة التميز والكل يعشق مذاقها، يسأل جدته عن سر الوصفة وما هي المقادير فتجيبه «تشعر بالمقادير من قلبك»، وتردد له مقولة مشهورة في إيطاليا «لا يشيخ المرء أبداً على المائدة» أي أن إعداد الطعام لا يعترف بالسن ولا بالتقدم بالعمر.. ينتقل بنا المخرج إلى الوقت الحالي حيث كبر جوي (فينس فون) وهو يتلقى التعازي بوفاة والدته التي اعتنى بها لسنوات بعد إصابتها بالسرطان، ورحيل جدته قبلها، ليجد نفسه وحيداً يعيش مع الذكريات، ويقف بجانبه صديق الطفولة برونو (جو مانجانيلو) وزوجته ستيلا (دريا دي ماتيو)..

آخر خيط


صديقة والدته روبيرتا لورين براكو، والتي لم تفارقها طوال 60 عاماً، تعيش في دار للعجزة، سلمت جوي رسالة تركتها له والدته، لكنه يخشى فتحها كي لا يشعر بأن آخر خيط يربطه بأمه قد انقطع، هكذا يتأمل الرسالة التي وضعها في منزله ويبقى لديه أمل وفضول في فتحها يوماً ما، ومعرفة آخر كلمات أمه له. فراغ وروتين يغرق فيهما، حيث يذهب إلى عمله ويعود إلى المنزل بلا أي هدف، حتى ينصحه صديقه وزوجته بالبحث عن شيء يريد تحقيقه أو تمنى تحقيقه منذ زمن ولم يستطع، فيذهب إلى سوق في جزيرة ستاتن، حيث كانت تصحبه جدته معها لشراء الخضار وعلمته كيف يختار الطماطم للحصول على أفضل صلصة.. هناك يلتقي مصادفة سيدة تدعى أنطونيلا (برندا فاكارو) تذكره بأمه ماريا (كايت إيستمان) وجدته (كارن جيوردانو)، والمفاجأة الكبرى ظهور صديقة الطفولة والصبا أوليفيا (ليندا كارديلليني)، والتي لم يرها منذ 30 عاماً.
يشتري جوي مطعم «سبيريتوس» المعروض للبيع بعد وفاة صاحبه، ويقرر إعداده لتقديم الطعام الإيطالي الأصيل، يعرض الفكرة على برونو الذي يعترض في البداية، لكنه يساعده في ترميم المكان ويقف بجانب صديقه بكل إخلاص، حتى أنه باع سيارة والده العزيزة جداً على قلبه من أجل دعم صديقه مادياً، ونشر جوي إعلاناً يطلب فيه «جدات» للعمل في المطعم، يبدأ بإقناع روبرتا ثم أنطونيلا، وانضمت إليهما تيريزا (تاليا شاير) وصاحبة محل الحلويات التي كانت أيضاً صديقة لأمه جيا (سوزان سارندون)..

مواقف مضحكة


منافسة ظريفة وتحديات لا تخلو من المواقف المضحكة بين الجدات خصوصاً روبرتا وأنطونيلا، حيث تبرز النزعة العنصرية بانحياز كل واحدة لأشهر أكلات بلدتها، سيسيليا (صقلية) وبولونيا، تتراشقان بالخضار «على الطريقة الإيطالية» إلى أن تنتهي المعركة بالصلح.
يقول جوي الطعام هو الحب، لأن الطعام ليس مجرد وصفة تطبقها بحذافيرها بل هي مصنوعة بحب وكل نكهة فيها تنبع من الإحساس وتتميز عن غيرها من النكهات والأكلات بمن يصنعها وما يضع فيها من إحساسه ومدى حبه لما تصنعه أنامله.. لذلك أراد إحياء التراث والحفاظ على التقاليد، والأهم أنه أراد المكان مطعماً للعائلة، لذلك تولت الجدات مسؤولية إعداد الطعام، لكن يوم الافتتاح لم يأت أحد سوى برونو وزوجته، ورفض أهالي الجزيرة دعم هذا الضيف الجديد وكأنه عربون وفاء منهم لصديقهم الراحل سبيريتوس، ما شكل خيبة كبيرة لجوي والجدات ومعهم طبعاً أوليفيا التي وقفت بجانبهم طوال الوقت.
يقول المخرج ستيفن تشبوسكي إنه حين علم باستلام زوجته ليز ماشي قصة مطعم إنوتيكا ماريا، وأجرت تعديلات عليه وعملت على كتابة السيناريو له، قرر أن يتولى إخراجه مضيفاً ما معناه أن «ما فعله جوي الحقيقي كان رسالة حب إلى والدته، وما فعلته ليز كان رسالة حب إلى عائلتها، وإخراجي للفيلم كان رسالة حب إلى ليز».. ربما انعكس كل هذا الحب والوفاء على الفيلم وكل فريق العمل، وهو ما جعله سلساً قريباً من القلب، يحمل رسائل اجتماعية وإنسانية وعائلية نبيلة، تصل إلى الجمهور بشكل مباشر وتخترق القلب، خصوصاً حين تجعل الكاتبة ليز من كل جدة نموذجاً لما تعيشه الجدات بعد تقدمهن في السن، فروبرتا حرصت على تربية أبنائها بقسوة وجفاف في المشاعر كما ربتها أمها فانتهى بها المطاف في دار للمسنين وعدم تواصل أبنائها وأحفادها معها، بينما أنطونيلا لديها أبناء والكثير من الأحفاد لكنهم يعيشون كل في بلد ويتواصلون معها بالهاتف، بينما جيا تعيش وحيدة لكن خلف جمالها وابتسامتها الدائمة معاناة طويلة مع مرض السرطان.. ومن العبارات المؤثرة التي تقولها الجدات «لا أحد يهتم ماذا نفعل وماذا نقدم»، و«نحن قطعاً أثرية عفا عليها الزمن»..
البطل الحقيقي للحكاية جوي سكارافيلا يظهر في مشهد قصير قرب نهاية الفيلم كضيف في المطعم، هو فعلياً افتتح مطعم إنوتيكا ماريا في جزيرة ستاتن عام 2007 بعد وفاة والدته، ومازال المطعم يستقطب الزبائن وقد نال شهرته ونجاحه بفضل الجدات في المطبخ، حيث تُعدّ كل واحدة منهن أطباقاً من مناطق إيطالية مختلفة، والأجواء العائلية التي حرص عليها جوي هي من أهم عوامل إنجاح واستمرارية هذا المشروع.
للكتابة فضل كبير في نجاح هذا الفيلم، كما تمكنت البطلات المؤديات دور الجدات الطاهيات من تشكيل فريق محبب، ظريفات متمكنات، سواء سوزان ساراندون التي تجمع بين مهنة تزيين الشعر وإعداد الحلويات، أم لورين براكو بدور الانطوائية، وبريندا فاكارو الأرملة الوفية لذكرى زوجها والمغامرة الجريئة، وتاليا شاير الخجولة.. بينما البطل فون هو الأقل مرونة في أدائه، والأقل تأثيراً في الجمهور. إنما الفيلم بمجمله ممتع ومريح وعائلي بامتياز.

[email protected]

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق