في عمّان، العاصمة التي باتت تشبه عجلةً تدور بلا توقف، لم تعد السيارة وسيلة تنقّل، بل أصبحت امتدادًا لأنانية الفرد، ومرآة تعكس فكرة: "أنا فقط، ولا أحد غيري".
الطريق في عمّان لم يعد ملكًا للجميع، بل حكرًا على كل سائق يرى نفسه أولًا، ثم... فليدبر الآخرون أمورهم كما يشاؤون.
ومن هنا، وُلدت تلك الفكرة الثورية – أو الحُلم الذي زارني ليلة الأمس، وأعلم أنه لن يتحقق، لكنه يستحق أن يُقال:
إلغاء جميع رخص القيادة داخل محافظة العاصمة لمدة شهرٍ كامل.
توقّف تام لكل ما يسير على أربع عجلات.
شهرٌ من إعادة التأهيل الجماعي للوعي البشري، قبل السماح لأي عجلة بالدوران مجددًا.
المرحلة الأولى: الصمت العظيم – شهرٌ للتأمل
لأول مرة في تاريخ المدينة، يسود الصمت طرقاتها:
لا زمامير، لا محركات، لا صراخ في الدواوير، ولا تهوّر في الطلعات.
شهرٌ يجلس فيه الإنسان مع نفسه، بلا مقود، بلا عجلة، بلا وهم السيادة.
المرحلة الثانية: مدارس السواقة الفلسفية – "لماذا تقود؟"
نعم، تُعاد فتح مدارس القيادة.
لكن ليس لتعليم التشغيل، بل لفهم الوجود على الطريق.
كيف لا تكون أنانيًا خلف المقود.
كيف تفهم أن المسرب ليس ملكك.
كيف تمسك بالزمور، لا لتستخدمه، بل لتسأل نفسك: "لماذا أزمر؟"
مناهج جديدة تتضمن:
أخلاقيات الانعطاف المتأخر
دلالة الضوء الأحمر في النفس البشرية
لماذا لا يجب أن يكون الرصيف موقفًا لسيارتك
فن الانتظار بلا احتقان داخلي
المرحلة الثالثة: محاكمات رمزية على الهواء
كل مساء، تُبث محاكمات رمزية للسائقين المخالفين:
من يقف على الخط الأصفر؟ يُعاقب بجولة في خط الباص السريع.
من يرمي القمامة من نافذته؟ يُلزم بجمع نفايات شارع مكة لمدة ساعة.
من يُدخن في الباص؟ يقرأ كتابًا في الأخلاق العامة على الهواء مباشرة.
المرحلة الرابعة: السيارة كمكب نفايات – ملحمة الرعب البيئي
في عمّان، بات فتح نافذة السيارة تمهيدًا لرمي الفضلات:
علب البيبسي، أكواب القهوة، زجاجات المياه، وأحيانًا... حفاضات الأطفال!
تحوّلت السيارة إلى امتداد للمنزل، لكن بلا سلة مهملات.
والشارع؟ أصبح مرآة لفضلاتنا النفسية والجسدية.
المرحلة الخامسة: شرطي كل 10 أمتار – حل عبقري للبطالة والفوضى
تم تعيين شرطي سير كل عشرة أمتار – خطة اقتصادية-أخلاقية غير مسبوقة:
خريجو الجامعات صاروا منظّمي حركة.
حملة الماجستير على الإشارات.
أصحاب الطموحات الكبرى يديرون الدواوير.
فانخفضت البطالة، ارتفعت الأخلاق، واستعاد الشارع نظامه.
المرحلة السادسة: الرخصة الجديدة – شهادة نضج، لا تصريح قيادة
الرخصة لم تعد مجرد بطاقة بلاستيكية، بل شهادة صلاحية إنسانية.
وثيقة تؤكد أنك صالح للسير بين البشر.
توقيعك فيها وعد: "لن أكون خطرًا على الإنسانية خلف المقود."
الخلاصة: الطريق مرآة الروح... وقد تحطّمت
إذا لم نُعد تأهيل الإنسان، فلن تجدي قوانين المرور، ولا كاميرات المراقبة، ولا إشارات المرور.
لأن السيارة، مهما كانت حديثة، إذا قادها غاضب تحوّلت إلى سلاح، وإذا قادها أناني، صارت لعنة.
نحتاج أن نعيد فهم الطريق – لا كأرض نمتلكها، بل كمساحة نعيش فيها مع الآخرين.
0 تعليق