نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
في ذكرى النكبة .. مفتاح العودة ما يزال في أيدي الفلسطينيين - اخبارك الان, اليوم الخميس 15 مايو 2025 02:45 مساءً
في الخامس عشر من مايو كل عام يحتفل الفلسطينيون بذكرى النكبة، حاملين مفاتيح بيوتهم كعهد بأن العودة قريبة، عقود مرت، والمفاتيح ما زالت تُورّث، والألم ما زال ينزف، والسؤال يُطرَق بقوة: كيف تحوّل مفتاحٌ بسيطٌ إلى أيقونةٍ لقضية شعب بأكمله؟
النكبة ليست مجرد ذكرى، بل واقع يعيشه الفلسطيني كل يوم: في صورة جده المعلقة على الحائط، في لهجة أمه التي ما زالت تحمل نبرة يافا، في الطفل الذي يسأل: "أين بيتنا الأصلي؟". قد تُغيّر إسرائيل أسماء القرى، وتُزيّف التاريخ، لكنها لا تستطيع محو الذاكرة، فالفلسطيني يحمل وطنه في قلبه، ومفتاحه في جيبه، وإصراره في دمه. وكما قال محمود درويش: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة.. فَلا تُودّعوا الأرضَ، فَالأرضُ تودّع النُّجومَ، ونحن نودّعُ الأرضَ الواحدةَ.. كي نعود".
من أحلام الصهيونية إلى وعد استعماري
لم تكن النكبة حدثًا مفاجئًا، بل حلقةً في سلسلةٍ بدأت أواخر القرن التاسع عشر مع ولادة الحركة الصهيونية في أوروبا، حين رأى ثيودور هيرتزل، مؤسس الصهيونية السياسية، في "الدولة اليهودية" ملاذًا من معاداة السامية، لكنّ حلمه تحوّل إلى كابوسٍ للفلسطينيين عندما التقت مصالح الاستعمار البريطاني مع المشروع الصهيوني.
وفي 1917، أطلقت بريطانيا "وعد بلفور"، الذي منح اليهود حقًّا وهميًا في أرضٍ لم تكن ملكًا لها، متجاهلةً حقوق السكان الأصليين الذين عاشوا على ترابها قرونًا.
لم تكن الهجرة اليهودية مجرّد انتقال أفراد، بل كانت مشروعًا استيطانيًا مدعومًا بسلطة الانتداب، اشترى المهاجرون اليهود مساحات شاسعة من النخب العربية، ثم طردوا المزارعين الفلسطينيين الذين عملوا في تلك الأراضي لعقود، فتحوّلت حقول الزيتون إلى مستوطنات مسوّرة، وبدأت ملامح التهجير القسري تلوح في الأفق.

الثورة العربية.. صرخة ضد الخيانة
في 1936، اندلعت "الثورة العربية الكبرى" كإعصارٍ غاضب ضد البريطانيين والمستوطنين، مطالبين بوقف الهجرة اليهودية واستقلال فلسطين، لكن القمع البريطاني كان وحشيًا، قُتل آلاف الفلسطينيين، وسُجن عشرات الآلاف، بينما خرجت بريطانيا بـ"كتاب أبيض" (1939) وعدت فيه بقيودٍ على الهجرة اليهودية ووعد بدولة فلسطينية خلال عقد، لكن الوعد تبخّر مع الحرب العالمية الثانية، ليتسارع المشروع الصهيوني تحت سمع العالم وبصره.
قرار التقسيم 1947
عندما أعلنت بريطانيا عجزها عن إدارة فلسطين، ألقَتْ بالكرة في ملعب الأمم المتحدة، التي أصدرت القرار 181 (1947) بتقسيم فلسطين إلى دولتين: يهودية (55% من الأرض) وعربية (45%)، مع وضع القدس تحت وصاية دولية.
منح القرار الدولة اليهودية السواحل الأكثر خصوبةً، ومدنًا ذات أغلبية فلسطينية كيافا وحيفا، بينما حشر الفلسطينيين في مناطق جبلية وعُرضة للتقسيم، ورفض العرب القرار باعتباره انتهاكًا لحقّهم في تقرير المصير، بينما قبِلَتْه القيادة اليهودية كخطوةٍ أولى نحو التوسع.
النكبة 1948
في 14 مايو 1948، أعلن ديفيد بن جوريون قيام إسرائيل على أنقاض القرى الفلسطينية المدمرة، وفي اليوم التالي، دخلت الجيوش العربية الحرب، لكنّها هُزمت أمام التنظيم الصهيوني المدعوم غربيًا، بحلول 1949، سيطرت إسرائيل على 78% من فلسطين التاريخية.
طرد من ديارهم بقوة السلاح، أو هربوا خوفًا من المجازر كتلك التي ارتُكبت في دير ياسين وكفر قاسم. مُنعوا من العودة، وتحوّلوا إلى لاجئين في مخيماتٍ قذرة، بينما مُحيت قراهم من الخريطة، أو أُقيمت على أنقاضها مستوطناتٌ عبرت عنها بأسماء عبرية.
المفتاح.. رمز لا يُكسر
في خضمّ الفوضى، التقط الفلسطينيون مفاتيح بيوتهم كشاهدٍ على ملكيتهم للأرض، ليتحوّل هذا المفتاح البسيط إلى رمزٍ عالمي، يُعلّق في البيوت، ويُحوَّل إلى مجوهرات، ويُرفع في المظاهرات.
هو ليس مجرد قطعة حديد، بل ذاكرة حية تروي حكاية بيتٍ هُدم، وشجرة زيتونٍ قُطعت، وحلمٍ بالعودة. تقول إحدى الحكايات الشعبية: "عندما نعود، سنفتح باب دارنا بالمفتاح القديم، ولو كان البيت قد سُوّي بالأرض"

حق العودة.. الصراع الذي لم ينتهِ
رغم مرور 76 عامًا، لا تزال القضية الفلسطينية تدور حول "حق العودة" الذي كفله القرار 194 الأممي (1948)، لكن إسرائيل ترفضه جملةً وتفصيلًا، بحجة أن تنفيذه سيهدد هويتها كدولة يهودية.
و اليوم، يُسجّل لدى الأونروا حوالي 5.9 مليون لاجئ فلسطيني، يعيش ثلثهم في مخيماتٍ تفتقر لأبسط مقومات الحياة الكريمة، ورغم ذلك، تُصر إسرائيل على وصم الفلسطينيين بـ"اللاجئين الأبديين"، بينما تمنح أي يهودي في العالم حق الهجرة إليها بموجب "قانون العودة" (1950).
النكبة المستمرة.. جرحٌ لا يندمل
النكبة لم تكن حدثًا تاريخيًا، بل هي عملية مستمرة. ففي 1967، احتلت إسرائيل ما تبقى من فلسطين (الضفة وغزة)، وشرعت في بناء المستوطنات، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي. اليوم، يعيش الفلسطينيون تحت نظام فصل عنصري: ففي إسرائيل، يُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، وفي الضفة يعانون من حواجز الجيش والاستيطان، وفي غزة يحاصرهم الحصار منذ 17 عامًا. حتى مخيمات اللجوء في لبنان وسوريا لم تسلم من القصف والتشريد.
الذكرى.. من الشموع إلى الأمم المتحدة
ظلّ الفلسطينيون يحيون النكبة سرًا حتى 1998، حين أعلن ياسر عرفات 15 مايو يومًا وطنيًا للذكرى. وفي 2023، اعترفت الأمم المتحدة بالذكرى لأول مرة، لكنّ القرار ظلّ حبرًا على ورق. اليوم، تُضاء الشموع في المخيمات، وتُقام المعارض الفنية، ويُغني الأطفال: "عائدون.. عائدون.. الجبال تزول". أما المفتاح، فيبقى شاهِدًا على أن الحق لا يُنسى، وأن الزمن لا يُبطل العدل.
0 تعليق