كتب اللواء المتقاعد الدكتور موسى العجلوني *
في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، برز الدور الأردني الرسمي والإنساني بشكل لافت، سواء من خلال المساعدات الإغاثية والطبية أو عبر التحركات السياسية والدبلوماسية التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني في المحافل الدولية، داعياً إلى وقف العدوان وفتح المعابر وإنهاء معاناة اهلنا في غزة.
ومع هذا الدور الفاعل، شهدنا في الآونة الأخيرة تصاعدًا لحملات ممنهجة تستهدف الأردن ومواقفه الثابتة، محاولةً التشكيك بدوره الإنساني وأهدافه والتقليل من جهوده الداعمة للشعب الفلسطيني، لا سيما في غزة. هذه الحملات التي تتبناها جهات إقليمية ودولية وتنتشر لدى بعض وسائل الإعلام المعروفة باتجاهاتها التحريضية وعلى منصات التواصل الاجتماعي ، تتطلب من الإعلام الرسمي الأردني أن ينتقل من موقف الدفاع إلى موقع المبادرة، عبر استراتيجيات إعلامية عصرية شاملة وذكية، ترتكز إلى عدة محاور رئيسية.
أولاً: الشفافية والمكاشفة
الثقة تبدأ من الداخل: على الإعلام الرسمي أن يقدم المعلومات الدقيقة والمحدثة باستمرار حول ما يقدمه الأردن من دعم لغزة ، بحيث يتضمن توثيق حجم ونوع المساعدات بالأرقام والتواريخ، نشر تقارير دورية عن دور المستشفيات الميدانية وخدماتها المقدمة، عقد مؤتمرات صحفية دورية مع مسؤولين لشرح الموقف الأردني دون مواربة ، وتقديم برامج حوارية وشهادات مرئية ومسموعة مع فلسطينيين من غزة يشهدون على دعم الأردن. كلها أدوات تعزز المصداقية وتقطع الطريق على المشككين.
ثانياً: الإعلام الرقمي والمحتوى الموجه
الفضاء الرقمي اليوم هو ساحة المعركة الإعلامية الرئيسية والأكثر تأثيرا: لا بد من تفعيل منصات الإعلام الرسمي على وسائل التواصل الاجتماعي بأسلوب حديث ولغة خطاب متجددة مؤثرة وغير تقليدية ، تتوجه للجمهور العربي والدولي، وليس المحلي فقط. إنتاج فيديوهات قصيرة، إنفوغرافيكس، وتقارير ميدانية بلغة إنسانية بات ضرورة لا ترفاً.
ثالثاً: استباق الحملات والتفاعل لا التجاهل
المشكلة لا تُحل بالصمت وعدم الإهتمام اوالإهمال: يجب رصد الحملات المغرضة الممنهجة منذ بدايتها، والرد عليها بذكاء وحرفية وحكمة دون انفعال، مع تقديم رواية مغايرة مدعومة بالحقائق والبينات.لا نريد ان يبدوا إعلامنا الرسمي مأزوما بل إعلام أزمة واعي يتسم باليقظة وتحويل الهجوم إلى فرصة لتسليط الضوء على الحقيقة وترسيخها لدى الرأي العام.
رابعاً: بناء تحالفات إعلامية
على الإعلام الأردني الرسمي أن يفتح قنوات تعاون مع وسائل إعلام عربية ودولية ذات مصداقية، لدعم وتوصيل الرواية الأردنية بلغات مختلفة بما فيها اللغة العبرية. كما يمكن الاستفادة من المؤثرين والصحفيين المستقلين الذين يملكون جمهورًا واسعًا، لإعادة تقديم الموقف الأردني من زوايا موضوعية متنوعة.إضافة الى تمتين العلاقات مع منظمات حقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش، منظمة العفو الدولية وغيرها) لإبراز دور الأردن الإنساني.
خامساً: تعزيز البعد الإنساني في الرسالة الإعلامية
بدل الانغماس في الخطاب السياسي التقليدي وكيل المديح المبالغ فيه يمكن التركيز على الجانب الإنساني: توثيق قصص الانتهاكات الإسرائيلية ، قصص المرضى الذين عولجوا في المستشفيات الميدانية الأردنية في غزة ، عمليات الإنقاذ والإخلاء الطبي للمرضى من غزة الى المستشقيات في الأردن، قصص الأطباء الأردنيين الذين غامروا بحياتهم وسافروا الى غزة لتقديم الخدمات الطبية الإنسانية ، وغيره الكثير. هذه القصص أقوى من أي بيان رسمي في التأثير على الرأي العام.
سادساً: تجديد الخطاب الإعلامي دون المساس بالثوابت
التمسك بالموقف السياسي التقليدي لا يعني الجمود في طريقة التعبير عنه: يجب تطوير الخطاب الإعلامي ليكون أكثر قربًا من نبض الناس، وأكثر قدرة على مخاطبة الجيل الجديد الذي يشكل القوة الأكبر على المنصات الرقمية.
ختامًا، يملك الأردن رصيدًا كبيرًا وأصيلاً من المواقف المشرفة في دعم القضية الفلسطينية والقضايا العربية عامة وقضية الأهل في غزة خاصة، وقد أثبت في المحن والمفاصل الكبرى أنه لا يساوم على الثوابت. لكن في زمن الإعلام المفتوح ، فإن الموقف وحده لا يكفي، بل يجب أن يُوثق ويُشرح ويُنقل ويُدافع عنه بلغة العصر وأدواته، كي لا تُسرق الحقيقة او تُشوه او تُطمس.
* الكاتب عضو المكتب السياسي ورئيس المجلس الإجتماعي/حزب المستقبل والحياة الأردني
0 تعليق