- في 25 أكتوبر عام 1972، وُلدت إستير دوفلو في العاصمة الفرنسية، باريس، لتشق طريقها لاحقًا إلى نحو أرفع المحافل العلمية قاطبةً؛ منصة التتويج الأسمى: جائزة نوبل الموقرة في العلوم الاقتصادية.
- لم تكن تلك الجائزة الرفيعة التي حصلت عليها عام 2019، بالشراكة مع زميليها، أبهيجيت بانيرجي ومايكل كريمر، مجرد تكريم لمشوار أكاديمي لامع، بل كانت اعترافًا عالميًا بمنهج ثوري قلب الموازين في ميدان اقتصاديات التنمية: مقاربة تجريبية دقيقة لفهم جذور الفقر وتفكيك معضلته بأسلوب علمي رصين قائم على الأدلة.
مناهج ميدانية تقلب المعادلة التقليدية
- في خضم عالمٍ غالبًا ما يغرق في النظريات الكبرى حول التنمية، شقت دوفلو ورفيقاها مسارًا مغايرًا تمامًا؛ إذ آثروا الغوص عميقًا في تفاصيل المشكلات الصغيرة والمحلية.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
- فعلى امتداد البقاع الأكثر فقرًا، أطلقوا ما يُعرف بـ "التجارب العشوائية المُحكمة"؛ لقياس الأثر الفعلي للسياسات العامة بدقةٍ متناهيةٍ من مبادرات بسيطة كتوفير وجبات مدرسية، إلى تدخلات أوسع كدعم المعلمين وتحسين سبل الوصول إلى الرعاية الصحية.
- ولم يكتفوا بذلك، بل تجاوزوا محاولة التعميم السريع إلى تبني منهجٍ يقظٍ، يختبر مدى قابلية تكرار نتائج هذه التدخلات عبر سياقات ثقافية وجغرافية متنوعة.
- غيرت هذه المنهجية الرائدة، التي استُلهمت من علوم الطب والصحة العامة، قواعد اللعبة في تقييم السياسات.
- فلم يعد الأمر يعتمد على مجرد افتراضاتٍ يمكن نقضها، بل على نماذج قابلةٍ للاختبار. ولم تعد الآراء الفردية هي الفيصل، بل النتائج الموثوقة المدعومة بالأدلة.
- وبهذا التحول، لم تعد اقتصاديات التنمية مجرد حقلٍ نظريٍ بحت، بل غدت ممارسةً علميةً قائمةً على التحقق الميداني والبرهان التجريبي.
سيرة أكاديمية لامعة
- نسجت دوفلو خيوط مسيرتها الأكاديمية المتميزة بدأبٍ وإتقانٍ؛ فبعد حصولها على درجتي ماجستير في الاقتصاد والتاريخ عام 1994، وماجستير آخر في الاقتصاد عام 1995، توجت دراستها العليا بنيل شهادة الدكتوراه من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا المرموق عام 1999.
- ولم يتوقف طموحها عند التدريس والبحث، ففي عام 2003، ساهمت دوفلو في وضع حجر الأساس لـ "معمل عبداللطيف جميل لمكافحة الفقر" في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الذي سرعان ما غدا منارة عالميةً في مجال تطبيق الأبحاث التجريبية لمعالجة قضايا الفقر عبر السياسات العامة.
- لقد رسخ المعمل مكانته كأحد أبرز الصروح البحثية تأثيرًا في تقييم البرامج والسياسات التنموية، وأصبح منصةً عالميةً فاعلةً لتوسيع دائرة الاستعانة بالأدلة والبراهين في رسم مسارات صناعة القرار.
رؤى اقتصادية غيرت المفهوم التقليدي للتنمية
- لم تقف إسهامات دوفلو عند ترسيخ منهج التجارب المُحكمة، بل امتدت لتشمل إثراء حقل اقتصاديات التنمية بمفاهيم عميقةٍ مستمدةٍ من الاقتصاد السلوكي.
- ألقت الضوء على الكيفية التي تتشكل بها قرارات الأفراد في البيئات محدودة الموارد، متأثرةً بانحيازاتٍ معرفيةٍ خفيةٍ، وضغوطٍ مجتمعيةٍ، وتأثيرٍ للأقران.
- فتحت هذه النظرة المتعمقة آفاقًا رحبةً لفهم أعمق لسلوك المستفيدين من البرامج التنموية، وأكدت الحاجة الماسة لتصميم هذه البرامج بحيث تلامس الواقع النفسي والاجتماعي المعقد للفقراء.
- وفي سياقٍ متصلٍ، تعمقت دوفلو في دراسة قضايا التعليم والصحة، اللذين يُعدان ركيزتين أساسيتين للتنمية البشرية.
- سعت جاهدةً لتحديد التدخلات الأكثر فعّاليةً، مثل البحث في جدوى الحوافز المقدمة للمعلمين، وأثر الإصلاحات الإدارية في تحسين العملية التعليمية، وابتكار سبلٍ لتوفير الرعاية الصحية الأولية في المجتمعات المحتاجة.
- وكان الميزان الذي حكم بحثها هو القياس الدقيق للأثر الحقيقي للسياسات، من خلال نتائج ملموسةٍ يمكن رصدها وإعادة اختبارها.
التمكين الاقتصادي للنساء: حجر الزاوية في بناء مستقبلٍ مستدام
- أفردت دوفلو حيزًا وافرًا من أبحاثها لدور المرأة المحوري في عجلة التنمية، ساعيةً إلى تسليط الضوء على الآثار الاقتصادية البناءة التي تتولد عن تمكينها.
- وأثبتت دوفلو بالأدلة الدامغة أن الاستثمار في تعليم المرأة، وتعزيز شمولها المالي، وتقوية صوتها في صنع القرارات داخل أسرتها ومجتمعها، هو قوة دفعٍ هائلةٍ نحو التقدم.
- أكدت دوفلو أبحاثها بلا مواربةٍ أن تضييق الفجوة بين الجنسين ليس مجرد استحقاقٍ للعدالة الاجتماعية، بل هو شرطٌ أساسيٌ وجوهريٌ لتحقيق نموٍ اقتصاديٍ يشمل الجميع ويدوم أثره.
فخاخ الفقر وشبكة الحماية الاجتماعية: كسر الدائرة المفرغة
- كما سلطت دوفلو الضوء على مفهوم "فخاخ الفقر"، تلك الدوامات المستعصية التي تحبس الأفراد في دائرة الحاجة والعوز، مانعةً إياهم من التحرر والانطلاق.
- وبحثت بعمقٍ في سبل كسر هذه الحلقات المفرغة، مقيّمةً فاعلية برامج الحماية الاجتماعية، كالتحويلات النقدية المباشرة، في تزويد الأفراد بشبكة الأمان اللازمة وتمكينهم من بناء مستقبلٍ أفضل، محفزةً بذلك الحراك الاجتماعي والاقتصادي المنشود.
نحو صنع السياسات القائمة على الأدلة
- لعل الأثر الأبعد والأعمق الذي تركته إستير دوفلو يكمن في ندائها الصادق والمستمر لصناعة سياسات عامة ترتكز على أرضيةٍ علميةٍ متينةٍ.
- فلم تعد تقبل بالاكتفاء بالحدس أو الانطلاق من قناعاتٍ أيديولوجيةٍ مسبقةٍ، بل نادت بضرورة إخضاع البرامج والتدخلات لاختباراتٍ ميدانيةٍ صارمةٍ وتقييمٍ دقيقٍ، في شراكةٍ حقيقيةٍ تجمع بين العقول الأكاديمية الرائدة والممسكين بزمام صناعة القرار.
- كان لهذه المقاربة الرائدة صدىً عالميٌ واسعٌ، ألهم العديد من الحكومات والمؤسسات الدولية لتبنِّي أساليب التقييم التجريبي كمكونٍ أساسيٍ في صياغة خططها وبرامجها التنموية.
إرث مستمر وأثر يمتد عبر الآفاق
- لم يقتصر تأثير إستير دوفلو على رفوف المكتبات الأكاديمية أو منصات المؤتمرات العلمية النخبوية، بل امتد ليمس حياة الملايين من البشر في بقاع الأرض الأشد فقرًا، ممن لامستهم سياساتٌ باتت أكثر حكمةً وفاعليةً، لأنها بُنيت على فهمٍ عميقٍ وملموسٍ لواقعهم واحتياجاتهم.
- وباتت مسيرتها مصدر إلهامٍ قويٍاً لجيلٍ جديدٍ من الباحثين الطموحين، الذين يرون في أدوات العلم سبيلاً ليس فقط لفهم العالم، بل لتغييره نحو عالمٍ أكثر عدلاً وتنميةً.
- في غمرة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة التي تواجه عالمنا المعاصر، تقف تجربة إستير دوفلو شاهدًا ساطعًا ومُلهمًا على قدرة البحث العلمي على إحداث تحولٍ جذريٍ وحقيقيٍ.
- إنها تُثبت أن العلم ليس مجرد وسيلةٍ لفهم ظواهر العالم فحسب، بل هو أداةٌ قويةٌ وفعالةٌ لصياغة مستقبلٍ أفضل للبشرية جمعاء.
المصدر: الموسوعة البريطانية
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
0 تعليق