نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لماذا تحول جنون الطلب على الماتشا إلى عبء على اليابان؟ - اخبارك الان, اليوم الجمعة 2 مايو 2025 01:57 مساءً
من معابد كيوتو اليابانية إلى قوائم أشهر المقاهي العالمية، يعيش شاي الماتشا اليوم لحظته الذهبية في جميع أنحاء العالم، مدفوعاً بموجة "ترند" اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي، وساهمت بتحويل هذا الشاي بلونه الأخضر الزاهي من مشروب تقليدي إلى رمز للصحة.
ولكن هذه اللحظة الذهبية لشاي الماتشا تأتي بثمن، فتزايد الطلب العالمي على هذا المشروب، كشف هشاشة سلسلة التوريد المرتبطة به، حيث عجز المنتجون في اليابان عن مواكبة الطلب، مما أدى إلى نقص عالمي في معروض الماتشا، وتسبب بارتفاع في أسعاره.
وبحسب تقرير أعدته صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، فقد ارتفعت أسعار الماتشا بنسبة تقارب الـ 15 في المئة منذ بداية عام 2025، حيث أن ازدياد الطلب على الماتشا، خصوصاً في الأسواق الغربية، وضع المنتجين اليابانيين تحت ضغوط كبيرة، مما دفعهم إلى فرض قيود على عمليات الشراء نظراً لعدم قدرتهم على تلبية الطلب المتزايد.
تراجع في الإنتاج
ووفقاً لتقرير نشرته "بلومبرغ" فقد بلغت قيمة صادرات اليابان من الشاي الأخضر الذي يشمل الماتشا، 244 مليون دولار في عام 2024 وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق، وبزيادة قدرها 25 في المئة مقارنة بعام 2023، حيث أشار التقرير إلى أن العملية الدقيقة لتصنيع الماتشا تتحمّل جزءاً من مسؤولية النقص الحاصل في المعروض، إضافة إلى عامل شيخوخة السكان في اليابان الذي يُفاقم مشاكل الإنتاج، فكمية الماتشا المنتجة في عام ٢٠٢٣ لم تتجاوز ما نسبته ٧٨ في المئة من كمية الماتشا المنتجة في عام ٢٠٠٨، وهو انخفاض تبرّر وزارة الزراعة والغابات ومصايد الأسماك اليابانية، بشيخوخة المنتجين ونقص الكفاءات المُستعدة لتولي زمام الأمور.
حكاية صنع الماتشا
والماتشا هو نوع من أنواع الشاي الأخضر يتم حصده مرة واحدة سنوياً، ويُزرع في الظل، مما يمنحه لوناً أخضر نابضاً بالحياة. ويتم قطف أوراق شاي الماتشا الصغيرة، ثم تُنزع عنها العروق ليتم تجفيفها وطحنها حتى تصبح مسحوقاً ناعماً جداً.
ولصنع ماتشا عالي الجودة، يجب حصاد أوراق معينة من الشاي في الوقت المناسب تماماً وطحنها يدوياً بعد عملية تظليل تستغرق بضعة أسابيع.
ماتشا أقل أصالة
وبهدف سد النقص في المعروض، حاولت دول مثل الصين وكوريا الجنوبية وكينيا إنتاج الماتشا، إلا أن المنتجين في تلك الدول، غالباً ما يفتقرون إلى التراث الحرفي والرقابة الصارمة على الجودة التي يتميز بها الماتشا الياباني. ورغم أن التدفق الكبير للماتشا غير الياباني يساهم في ظهور أسعار تنافسية، إلا أن هذه الخطوة أثارت أيضاً مخاوف بشأن أصالة المنتج وجودته.
تحديات تنتظر صناعة الماتشا
وسيبدأ حصاد الماتشا في اليابان في نهاية أبريل 2025، ومن المرجح أن تساهم هذه الخطوة في توفير حلّ مؤقت لمشاكل الموردين، في حين أن الحلّ الدائم المتمثل بظهور مشاريع جديدة لزراعة الماتشا، يحتاج للكثير من الوقت، حيث أن نبتة الماتشا الجديدة تحتاج إلى 5 سنوات كي تنضج، ولذلك لم تتمكن نبتة الماتشا من مجاراة شهرتها الواسعة والمفاجئة.
وما يجب إدراكه أيضاً أنه حتى لو تمكّنت صناعة الماتشا اليابانية من النهوض لتلبية الطلب المتزايد، إلا أن التحدي الثاني بالنسبة لهذه الصناعة، يتمثل بمدى استمرار توجه المستهلكين نحو هذا المشروب، حيث من المرجح أن تتراجع الشعبية العالمية للماتشا، كما هو الحال عادةً مع اتجاهات الغذاء والصحة الجديدة.
مزيج من الصحة والتسويق
ويقول الأستاذ الجامعي والباحث في التسويق والتسويق السياسي، البروفيسور وليد أبو خليل، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الشعبية التي حققها شاي الماتشا في الآونة الأخيرة جاءت نتيجة تقاطع اتجاهات ثقافية، وتحولات اقتصادية، واستراتيجيات تسويقية، مشيراً إلى أن هذه العوامل مجتمعة ساهمت في تحويل هذا المنتج الياباني المحلي التقليدي إلى ظاهرة عالمية.
ويضيف أبو خليل إن جاذبية نمط الحياة الصحية في اليابان، وربط طول العمر والذاكرة القوية بتناول الماتشا، دفعت كثيرين حول العالم إلى الاهتمام بهذا المشروب، إذ باتت شعوب كثيرة تدرك أن اليابانيين من أكثر الشعوب وعياً من الناحية الصحية، مشدداً أيضاً على الدور الذي لعبه ارتفاع عدد السياح إلى اليابان، في زيادة شهرة الماتشا، حيث أن للماتشا استخدامات متعددة في اليابان، وهي موجودة في مجموعة واسعة من المنتجات، بدءاً من الحلويات والهدايا التذكارية، وصولاً إلى مستحضرات العناية بالبشرة.
الماتشا يكتسح المنصات
ويكشف البروفيسور وليد أبو خليل أن شاي الماتشا، الذي كان في الماضي حكراً على الطبقات الثرية والنخبة اليابانية، تحوّل اليوم إلى منتج يثير اهتمام مختلف فئات المجتمع حول العالم، وهذا التحول جاء نتيجة العولمة وتوسّع التجارة الإلكترونية، مما سهّل الوصول إلى منتجات كانت تُعتبر نادرة أو محلية الطابع في السابق، لافتاً إلى الدور المحوري الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي وأدى إلى انفجار الطلب على الماتشا، حيث ساهم المؤثرون وخبراء التغذية واللياقة البدنية، في تسليط الضوء على فوائد هذا المشروب، ليصبح الماتشا بلونه الأخضر الزاهي ورمزيته المرتبطة بالصحة، عنصراً رئيسياً في محتوى ملايين المنشورات على إنستغرام وتيك توك ويوتيوب.
ويؤكد أبو خليل، أن الماتشا تُعد اليوم مثالاً نموذجياً للتسويق العاطفي المرتبط بمفاهيم الرفاهية والصحة والطبيعة، حيث أصبح هذا المشروب بالنسبة للكثيرين جزءاً من الروتين اليومي للعناية الصحية، وذلك في ظل تصاعد اهتمام الناس في السنوات الأخيرة، بكل ما يرتبط بالصحة والمنتجات الطبيعية، ولكنه شدّد في الوقت ذاته على أن النجاح العالمي لهذا للماتشا، لم يكن ليحدث لولا الاستراتيجيات التسويقية الذكية التي رافقته، مشيراً إلى أن أي منتج مهما كان جاذباً بطبيعته، إذا لم يُدعّم بخطة تسويقية سيتم نسيانه خلال 5 سنوات، حيث أن الزخم الأولي لأي منتج لا يكفي لضمان استمراريته.
أسباب قفزة أسعار الماتشا
من جهته يقول الكاتب والمحلل الاقتصادي بيار سعد في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن القفزة في أسعار شاي الماتشا خلال عام 2025، تعود إلى تلاقي ثلاثة عوامل أساسية، هي أولاً الطلب العالمي غير المسبوق، وثانياً عدم قدرة الإنتاج الياباني التقليدي على التوسع بنفس سرعة الطلب، وثالثاً تراجع عدد المزارعين اليابانيين المتخصصين بفعل الشيخوخة، حيث أن هذه العوامل أدت إلى اضطراب في سلسلة الإمداد وارتفاع الأسعار أقله بنحو 15 في المئة خلال 2025، مشيراً إلى أن بعض المقاهي في أوروبا أبلغت عن ارتفاع في أسعار الماتشا تصل نسبته إلى 40 و50 في المئة.
ويشرح سعد أن الفجوة الحاصلة بين العرض والطلب في السوق بالنسبة للماتشا، تعكس تحدياً هيكلياً في هذه الصناعة، فالماتشا ليس منتجاً زراعياً عادياً، بل هو نتيجة عملية دقيقة تتطلب مهارة ومعرفة تقليدية متوارثة، كاشفاً أن اليابان تهيمن على سوق الماتشا بالكميات وبالجودة أيضاً، ولذلك فإن أي محاولة للتوسع السريع في صناعة الماتشا خارج نطاق اليابان، قد تؤدي إلى تراجع جودة المنتج، ولذلك فإن محدودية توسع صناعة الماتشا ليست ناتجة فقط عن عوامل لوجستية أو إنتاجية، بل أيضاً من فلسفة الجودة التي تحكم هذه الصناعة.
فقاعة أم مسار طويل؟
ويرى سعد أن هناك إشارات مزدوجة في سوق الماتشا اليوم، فمن ناحية يمكن اعتبار الطلب الكبير الحالي فقاعة مؤقتة، تغذّيها موجة ترندات منصّات التواصل الاجتماعي، التي تدفع المستهلكين لاحتضان أي منتج يتصدّر المشهد الرقمي، قبل أن يتراجع حماسهم لاحقاً، ولكن من ناحية أخرى لا يمكن إغفال التحولات التي تحدث في أنماط الاستهلاك بين البشر، لا سيما اتجاههم المتصاعد نحو الأغذية الصحية والمستدامة، ولذلك فإن الماتشا بلونه الأخضر وفوائده، قد يكون جزءاً من التحول البنيوي في ذوق المستهلك العالمي، ومن هذا المنطلق يمكن القول إن الوقت وحده كفيل بأن يُظهر لنا أي من هذين الاتجاهين سيستمر في المستقبل.
0 تعليق