نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الانتخابات البلدية في خطاب حزب الله.. منطق الخدمة لا معادلة السلطة - اخبارك الان, اليوم الأربعاء 30 أبريل 2025 12:55 مساءً
مع اقتراب الاستحقاق البلدي والاختياري في لبنان، تتبلور مواقف القوى السياسية وتظهر مقارباتها المتفاوتة تجاه هذا الحدث المحلي الذي بات يتجاوز طابعه الإداري، ليحمل أبعاداً سياسية وتنموية ومجتمعية عميقة. وفي هذا السياق، يقدّم حزب الله رؤية واضحة تعكس فهماً خاصاً للعمل البلدي، يضعه في خانة “الخدمة العامة” لا “الموقع السياسي”، وفي سياق “الالتزام المجتمعي” لا “المنافسة السلطوية”.
في الخطاب الذي قدّمه الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم حول الانتخابات البلدية، برز تأطير فكري يُعيد تعريف الغاية من الترشح والعمل البلدي. فالحزب، وفق هذا المنظور، لا يخوض الاستحقاق من موقع الاستثمار السياسي، بل من زاوية المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية، انطلاقاً من ثقافته الدينية التي ترى في خدمة الناس جوهراً من صميم الالتزام العقائدي.
هذا التصور يندرج ضمن ما يمكن تسميته بـ”الأخلاقيات السياسية الاجتماعية”، حيث تُعاد صياغة مفهوم السلطة المحلية بوصفها مساحة للفعل التنموي، لا ميداناً للتنافس الحزبي المحض.
ينبثق هذا المنظور من مرجعية دينية وأخلاقية تُؤصّل قيمة “خدمة الناس” كواجب جماعي وفردي، في سياق يتقاطع فيه البعد التعبّدي مع الدور المؤسساتي، وهو ما يضع حزب الله ضمن تيار سياسي ـ اجتماعي يسعى إلى دمج الإيمان بالممارسة التنموية اليومية.
ثلاثية الأهداف في الرؤية البلدية
يرتكز حزب الله في مقاربته للعمل البلدي على ثلاثة أهداف مركزية:
1. تمكين الفئات المهمشة وتحقيق العدالة الاجتماعية: من خلال تخفيف مظاهر الحرمان، وتحفيز النمو المحلي، وتحقيق نوع من العدالة الإنمائية، بالاعتماد على الإمكانات الذاتية والموارد المتاحة.
2. إصلاح الهياكل الإدارية والخدماتية: عبر تحديث أداء البلديات ومؤسساتها، وتطوير إدارتها بما يعزز الشفافية، ويحارب الهدر، ويستجيب لحاجات الناس الحقيقية ضمن مقاربة تستند إلى مبادئ الحوكمة الرشيدة.
3. تقديم نموذج إداري – أخلاقي: يعتمد على الكفاءة والاستقامة والمصداقية، بهدف بناء ثقة المواطن بمؤسسته المحلية، وتحقيق فعالية في الأداء تنعكس بشكل مباشر على حياة الناس اليومية.
هذه الأهداف تشكّل محاولة واعية لإعادة الاعتبار للدور الوظيفي للمجالس البلدية، بعيدًا عن التسييس المفرط أو التقزيم الخدماتي، عبر بلورة رؤية ترى في البلديات أذرعاً تنموية لا مجرد هياكل تنفيذية.
السياسات العامة وبنية التفاهم المحلي
يرى حزب الله أن البلديات ليست ساحة للتجاذب والصراع السياسي، بل فضاء للتعاون وتوحيد الطاقات. لذلك يُولي أهمية كبرى لـ”الوحدة المجتمعية” و”التجانس السياسي” على حساب التنافس الانقسامي. وهو يطرح بوضوح خيار التفاهم المحلي، سواء عبر توافقات داخلية بين العائلات والفعاليات، أو من خلال التحالف المركزي مع حركة أمل الذي يُشكّل ركيزة للاستقرار السياسي والإداري في المجتمعات الشيعية.
يقدّم الحزب هذا الطرح بوصفه حماية للنسيج الاجتماعي وتحصيناً للبيئة من الانقسامات، ويدعو إلى تمثيل متوازن يشمل العائلات والعشائر والفعاليات الاجتماعية والمهنية، في سياق ما يُشبه “الديمقراطية التوافقية المحلية”، شرط أن يكون المعيار هو الكفاءة والمقبولية، لا الولاءات الفئوية أو التنافس العدائي.
كما يؤكد الحزب أنّ أي مرشح يجب أن يكون موضع قبول اجتماعي، متمتعاً بالنزاهة والقدرة، لأن المجلس البلدي ليس ساحة لتصفية الحسابات، بل أداة لخدمة الناس وتحقيق المصلحة العامة. من هنا يأتي التركيز على التوازن بين التمثيل الشعبي والانسجام السياسي في بنية المجالس المنتخبة.
الاستلهام من المرجعية “عمارة الأرض لا جباية الضرائب”
يستدعي الخطاب البلدي للحزب بُعدًا مرجعيًا من خلال الاستشهاد بتوجيه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إلى مالك الأشتر: “وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج”. هذه الإشارة تعبّر عن فلسفة واضحة: الأولوية ليست للجباية أو السلطة، بل للبناء والتنمية وخدمة الناس. ومن يفكر فقط في التحصيل من دون استثمار في البنية المجتمعية والاقتصادية يُدمّر البلاد والعباد.
في هذا السياق، يتحوّل العمل البلدي إلى ممارسة تستبطن مسؤولية دينية ووطنية واجتماعية، تتطلب بذل الجهد، والانفتاح على الناس، والعمل بشفافية وتواضع وتفانٍ.
البلديات كنواة للدولة
لا يتعامل حزب الله مع الانتخابات البلدية كاستحقاق تقني، بل كأداة استراتيجية لإعادة تشكيل العلاقة بين المواطن والدولة، بدءًا من القاعدة الشعبية. فالرؤية البلدية التي يطرحها الحزب ترتكز على تفعيل الحضور الشعبي، وتعزيز الاقتصاد المحلي، وبناء مؤسسات رشيدة داخل المجتمعات، ما يجعل البلديات ركيزة في مشروع الدولة الاجتماعية والمقاومة في آن.
هكذا، تتحوّل المجالس البلدية من هياكل محلية جامدة إلى فضاءات ديناميكية للإنتاج التنموي، وصيغة من صيغ مقاومة الانهيار، وإعادة بناء الثقة بالمؤسسات عبر تجربة خدمية تشاركية نزيهة.
في ضوء ما تقدّم، يظهر جليًا أن حزب الله لا يتعامل مع الانتخابات البلدية بوصفها محطة عابرة في السباق السياسي، بل كمنصة استراتيجية لإعادة إنتاج مفاهيم العمل العام، وترسيخ نموذج مغاير في الإدارة المحلية. فالفلسفة التي تحكم خطابه البلدي تقوم على خدمة الناس لا السيطرة عليهم، وعلى تمكين المجتمعات لا إخضاعها، وعلى الشراكة لا التنازع.
إن الرؤية التي يقدّمها الحزب، بما تحمله من بعد قيمي وتنموي ومجتمعي، تُشكّل محاولة لإعادة رسم العلاقة بين المواطن والدولة من الأسفل إلى الأعلى. وهي، بقدر ما تعبّر عن مقاربة “أخلاقية” و”اجتماعية”، فإنها تنطوي أيضاً على رهانات سياسية طويلة المدى في صلب مشروع بناء مجتمع مقاوم ودولة أكثر تماسكاً.
المصدر: موقع المنار
0 تعليق