كتب النائب فراس القبلان *
منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، شكّلت الحدود الشمالية للأردن مع سوريا محورًا بالغ الحساسية، حيث تعاملت الدولة الأردنية مع هذا الملف بدقّة وحذر، واضعةً في صدارة أولوياتها الحفاظ على أمنها الوطني واستقرارها الداخلي. إلا أن تغيّر المعطيات الإقليمية والميدانية في السنوات الأخيرة، وعودة جزء كبير من الاستقرار إلى الجنوب السوري، يطرح تساؤلات جدّية حول جدوى استمرار إغلاق هذه الحدود، في ظل ما يشهده الأردن من تحديات اقتصادية وضغوط اجتماعية متزايدة.
الهاجس الأمني: ضرورة لا خلاف عليها
لا يختلف اثنان على أن أمن الأردن يمثل أولوية وطنية لا تقبل المساومة. فقد واجهت المملكة على مدى السنوات الماضية تهديدات حقيقية، بدءًا من محاولات التسلل وتهريب المخدرات، وصولًا إلى وجود جماعات مسلحة وتنظيمات متطرفة على الجانب الآخر من الحدود. كل ذلك استدعى إجراءات حازمة ومبررة، أسهمت في حماية الداخل الأردني ومنع انتقال الفوضى عبر الحدود.
لكن، ومع التبدلات الحاصلة في الخارطة السورية، واستعادة الدولة السورية لقدر ملحوظ من السيطرة على المناطق الجنوبية، بات من الضروري مراجعة تلك الإجراءات، والانتقال من سياسة الإغلاق المطلق إلى مقاربة أكثر مرونة وتوازناً، تضمن الأمن دون أن تعيق فرص التنمية.
الحدود المغلقة: خسائر اقتصادية لا يمكن تجاهلها
الإغلاق المستمر للحدود انعكس سلبًا على الاقتصاد الأردني، لا سيّما في المحافظات الشمالية القريبة من سوريا، والتي كانت تعتمد تقليديًا على التبادل التجاري وحركة البضائع والمسافرين. كما أن القطاع الخاص الأردني، بما فيه من صناعات وخدمات، حُرم من منفذ طبيعي نحو السوق السورية، الذي يمثل بوابة للانطلاق نحو أسواق أوسع في الإقليم.
فتح الحدود بشكل مدروس سيمكّن من استعادة هذه الحيوية، وتحريك عجلة التجارة، وفتح آفاق جديدة أمام الاستثمار والتعاون الثنائي، خصوصًا في مجالات النقل، والصناعة، واللوجستيات.
دور أردني في إعادة إعمار الجنوب السوري
إن الجنوب السوري اليوم في أمسّ الحاجة إلى الشراكة والدعم لإعادة بناء ما دمرته سنوات الصراع. وهنا، يبرز الدور الأردني كشريك موثوق، يمتلك الخبرة والإمكانات، فضلًا عن علاقات اجتماعية وجغرافية عميقة مع أبناء الجنوب السوري.
فتح الحدود لن يكون مجرد عمل تجاري، بل خطوة استراتيجية تمكّن الأردن من تقديم خبراته، واستيعاب جزء من الأيدي العاملة الأردنية في مشاريع الإعمار، وهو ما يحقق منفعة مزدوجة: دعم السوريين في بناء وطنهم، وتخفيف البطالة في السوق الأردني.
نحو مقاربة جديدة
اليوم، وبعد أكثر من عقد على بداية الأزمة السورية، بات الوقت مناسبًا لإعادة تقييم سياسة الإغلاق التام، ووضع استراتيجية جديدة تجمع بين اليقظة الأمنية والانفتاح الاقتصادي. المطلوب ليس فتحًا عشوائيًا للحدود، بل آلية ذكية ومدروسة تُدار بشفافية، وتُراقب أمنيًا، وتُوظّف اقتصاديًا.
فتح الحدود الشمالية قد يكون أحد المفاتيح لحل جزء من الأزمة الاقتصادية في الأردن، وتعزيز دوره الإقليمي، والمساهمة في استقرار الجنوب السوري، بما ينعكس إيجابًا على الأمن الوطني الأردني ذاته.
* الكاتب رئيس لجنة التوجيه الوطني والإعلام
0 تعليق