رقصة النسر والتنين - اخبارك الان

0 تعليق ارسل طباعة

نايجل غرين *

تخلت الصين عن التظاهر بالتفاوض، موصدةً الباب أمام أي أمل في هدنة فورية مع واشنطن. لم تكتف بكين بالرد بالمثل على الرسوم الجمركية الأمريكية، بل أطلقت أيضاً حزمة شاملة من الإجراءات الانتقامية التي تعزز الشكوك بأن أكبر اقتصادين في العالم يتجهان نحو انفصال كامل.
وكانت وزارة الخارجية الصينية واضحة جداً في انتقاء عباراتها، مُحذرة من أن البلاد ستواصل اتخاذ إجراءات حازمة لحماية سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية. وفي الواقع، لم يكن هذا التحذير تهديداً أجوفاً. ففي غضون ساعات، فرضت بكين رسوماً جمركية مضادة بنسبة 34% على جميع السلع الأمريكية - في انعكاس لآخر الزيادات من واشنطن - مضيفة إياها إلى الرسوم الجمركية التي تراوحت أساساً بين 10% و15% التي فُرضت في وقت سابق من هذا العام. لتستمر لعبة كسر العظم وتبلغ الرسوم 125% بين الطرفين.
يرى كثيرون أن هذا التصعيد ليس اقتصادياً فحسب، بل استراتيجي. حيث شددت الصين قبضتها على صادرات المعادن الأرضية النادرة الرئيسية، ذات الأهمية الحاسمة لصناعات التكنولوجيا والدفاع العالمية، وحظرت شحنات التقنيات ذات الاستخدام المزدوج إلى اثنتي عشرة شركة أمريكية، لا سيما في قطاعي الطيران والدفاع.
والأدهى من ذلك، أن بكين وسّعت نطاق «قائمة الكيانات غير الموثوقة»، ما أدى فعلياً إلى إدراج 11 شركة أمريكية إضافية في القائمة السوداء ومنعها من العمل بحرية في الصين.
ولمن لا يزالون متمسكين بآمال التوصل إلى مخرج دبلوماسي، ينبغي أن تكون تطورات نهاية هذا الأسبوع بمثابة جرس إنذار. فتحول بكين ليس رد فعل انتقامياً، بل هي سياسة مُدبّرة مسبقاً.
ومن غير المرجح أن يُخفف مسؤولو إدارة ترامب، الذين يرى بعضهم هذه الفترة فرصة لتسريع الانفصال الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين، من موقفهم في مواجهة تحدي بكين. بل على العكس، أصبح من شبه المؤكد وجود جولات أخرى من الرسوم الجمركية الأمريكية.
وفي خضمّ ذلك، يجري بالفعل إحصاء الضرر الاقتصادي. إذ ستؤدي الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة، إلى جانب التدابير المضادة التي اتخذتها الصين، إلى رفع متوسط معدل الرسوم الجمركية الأمريكية المرجح على السلع الصينية إلى نسبة مذهلة تتجاوز 65%. وبالنسبة للمارد الآسيوي، قد يُقلص ذلك النمو عنده بنسبة تتراوح بين 1.5 و2% هذا العام، وهي ضربة موجعة لبلد يُعاني بالفعل ركود الصادرات، وأزمة عقارية، وضغوطاً انكماشية.
ومع ذلك، حتى مع تزايد مخاطر النمو، تبدو الصين مستعدة - بل متحمسة - لاستيعاب الألم. لماذا؟ لأن بكين استنتجت أن الولايات المتحدة مُصممة على تقييد صعودها، وأن أي اتفاق يُعرض الآن لن يكون سوى هدنة مؤقتة، وليس سلاماً حقيقياً. فمن وجهة نظر الصين، من الأفضل تحمل معاناة قصيرة الأجل بدلاً من قبول عيب استراتيجي لعقود.
في الواقع، أن تداعيات هذه الحسابات مُزلزلة. فإذا كانت الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مُستعدة للتضحية بالازدهار على المدى القريب لصالح الاستقلال الاستراتيجي، فإن عصر المنافسة المُدارة قد ولّى بالفعل. والأسواق العالمية، التي لا تزال تُعاني وهم هيمنة العقل، مُقبلة على تعديلات قاسية.
في الأشهر المقبلة، من المرجح أن تُحدد المزيد من الرسوم الجمركية، والقيود المتبادلة، والانفصال الاستراتيجي معالم العلاقة بين واشنطن وبكين.
ويُظهر التصعيد الأخير أن كلا الجانبين مستعدان لمواجهة طويلة الأمد ومؤلمة. مواجهةٌ ستعيد تشكيل التجارة العالمية، والمالية، والوضع الجيوسياسي لسنوات قادمة.
لقد تجاوزت العلاقات الأمريكية الصينية مرحلة المناورة، ودخلت حقبة الصراع المفتوح على الهيمنة الاقتصادية والتكنولوجية. وما نشهده الآن ليس نزاعاً عابراً يمكن احتواؤه بمحادثات دبلوماسية، بل تحوّل جذري يُعيد رسم ملامح النظام العالمي. فبينما يُعيد كلا الطرفين تموضعه وفق أولويات السيادة والاستقلال الاستراتيجي، يدفع الاقتصاد العالمي الثمن، وتعيش الأسواق على وقع هزات متلاحقة.
وفي قلب هذا التصعيد المتعدد الأوجه، يبرز السباق على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كميدان المواجهة الأكثر حساسية واستراتيجية. فبعدما كانت النزاعات تدور حول التجارة والتعرفة، باتت تدور اليوم حول من يُهيمن على أنظمة الحوسبة الفائقة، ومن يتحكم في شبكات الجيل الخامس، ومن يطور أسرع خوارزميات الذكاء الاصطناعي وأكثرها تأثيراً. تدرك واشنطن وبكين أن من يُمسك بمفاتيح هذه التقنيات، لن يُحدّد فقط مسار الاقتصاد العالمي، بل سيعيد تشكيل موازين القوة السياسية والعسكرية.
ومن هذا المنطلق، تتكثف محاولات العزل التكنولوجي، وفرض القيود على تصدير الرقائق المتقدمة والخوارزميات الحساسة، إلى جانب التنافس المحموم على استقطاب المواهب العلمية واحتكار سلاسل الابتكار.
وفي هذا السياق، لا بد للمراقبين من أن يتخلوا عن أوهام العودة إلى «الوضع الطبيعي السابق»، فالمواجهة باتت معركة إرادات طويلة النفس. ومن سيفوز؟ ليس من يملك القوة فقط، بل من يملك القدرة على الصبر، والمضيّ في إعادة تشكيل منظومة جديدة أكثر توازناً، أو أكثر تصادماً.
* المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة «ديفيرا» للاستشارات المالية والحلول الرقمية (آسيا تايمز)

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق