عاجل

في الذكرى الثانية لرحيل عارف البطاينة.. الرجل الذي حمل إرث الأردن في قلبه وعلوم الطب في يديه - اخبارك الان

0 تعليق ارسل طباعة
جو 24 :

كتب حسان التميمي - 

لم يكن الدكتور عارف سعد البطاينة 1931–2023 مجرد طبيب أو وزير أو أكاديمي، بل شخصية استثنائية تمثّل مجتمعا بكل ما فيه من قيم وكرامة ومسؤولية.

في مظهره هيبة الأردنيين ودماثتهم البساطة الصادقة النُبل الوقار، وفي كلامه تتجلّى أخلاق الكبار الذين يحلقون عالياً ويترفعون عن الدنايا وسفساف الأمور.

هو ابن حوران نبت من مائها فمال قلبه حيث تميل ظلالها وانحاز دوما للأرض والانسان.

وُلد في منطقة البارحة بالقرب من مدينة اربد عام 1930 لأسرة مشهورة وعريقة ونشأ وترعرع في بيت عرف القمح والتعب كما عرف المجد والمروءة.

تلقى تعليمه الابتدائي في كلية بيرزيت والثانوي في مدرسة الفرندز في رام الله وتخرج منها في العام 1950.

ثم انتقل إلى الجامعة الأمريكية في بيروت فحصل على الشهادة الجامعية المتوسطة في العلوم.

وبعدها التحق بجامعة ويستمنستر في لندن وحصل منها على شهادة البكالوريوس في الطب العام عام 1960.

ورث المجد عن أبٍ نقش اسمه على صفحات الوطن.

والده الشيخ سعد البطاينة أحد رجالات الوطن الكبار وصاحب يد لا تُخفى في العطاء وصوت لا يَغيب يوم كانت أرض الأردن تكتب أسماء رجالها في سفر التأسيس.

لم يورّث الشيخ سعد البطاينة أبناءه إلا ما يستحق أن يُحمل السمعة الطيبة الكلمة المسؤولة والموقف الشريف، وعلى خطاه سائر ابناءه ومنهم الباشا الذي رأى في المنصب مسؤولية لا امتيازًا وفي ناس الأردن أهلا وأخوة، وتحمّل المسؤولية كما يتحمّلها الفلاح حين يخرج إلى أرضه قبل أن تشرق خيوط الشمس.

أذكر أنني في عام 1995 زرته وأنا غاضب كانت والدتي قد تعرّضت لمعاملة غير لائقة، تم تحويلها من التأمين الصحي الحكومي إلى مستشفى خاص وكان الطبيب آنذاك تاجرا فظا فشكوته إلى الوزير الباشا الذي استقبلني بهدوء، وجدت رجل آسر يعرف كيف يُنصت لشاب غاضب في مقتبل العمر استمع إليّ حتى النهاية بعين الطبيب الحريص لا الوزير المشغول كنت أتكلم غاضبًا وهو ينظر إليّ مبتسما لا يقاطع ولا يُهدّئ وحين انتهيت قال بصوته الدافئ الحاسم يا ابني الخطأ وراد لكن واجبنا أن نُصحّحه لا أن نختبئ خلفه

ثم رفع سماعة هاتفه، تدخّل فأنصف، في الحقيقة خرجت من مكتبه وأنا أشعر أن شيئًا في داخلي قد عاد إلى مكانه الصحيح.

نعم

لا نزال بخير طالما فينا رجال مثل عارف لا تخشى في الحق اتخاذ القرار ولا ترى في الكرسي تشريفا، بل تكليفًا للضمير.

لا يتراجع مهما كان الموقف صعبا، بل يقف كالفلاح حين يقسو الجدب؛ يعمل بصمت ويصبر بثقة.

الباشا نال أوسمة عديدة لكنها لم تكن على صدره إلا شهادات لما كان في قلبه، فرأينا أثرها في حياته في احترام زملائه في تقدير طلابه وفي دعاء المرضى الذين طرقوا باب بيته أو باب الوزارة أو مجلس النواب

وكان بابه مفتوح كما قلبه

يخرج الناس من عنده بالدعاء له وكان يرى في أي تكريم شهادة بأن حياته كانت في خدمة الناس وهذا ما كان حتى وفاته في مثل هذا اليوم قبل عامين.

عمل الباشا على مشاريع ما تزال آثارها شاهدة عليه، فقد جعل إجازة الأمومة والطفولة ثلاثة أشهر بعد أن كانت شهرا واحدا مما جعل العمل للأمهات والأطفال أكثر إنسانية، وجعل الفحص الطبي قبل الزواج إلزاميا، وأسس الجمعية العربية لاختصاص أمراض النسائية والتوليد، وترأس المجلس العلمي لفترة طويلة في هذا التخصص حين كان وزيرا عمل على جعل التلقيح الاصطناعي مجانا للمحتاجين.

وكان الدكتور عارف أول من بدأ السجل الوطني للسرطان ذلك المشروع الذي صار لاحقا قاعدة البيانات الصلبة لعلاج والتخطيط لمواجهة المرض الخبيث كما يسميه الأردنيين، ومن هذا الجهد تولد مركز الأمل الذي غدا لاحقا مركز الحسين للسرطان.

وحين رحل الباشا في التاسع من أيار 2023 لم يغب حضوره بقي اسمه حاضرا في أروقة الخدمات الطبية الملكية وفي ساحات جامعة العلوم والتكنولوجيا وفي كل لجنة صحية ما زالت تعمل بروحه

بقي صوته وبقي أثره يُرى بعين الحب والاحترام

رحم الله الدكتور عارف

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق