نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق : هل يتغلّب صوت الحكمة على ضجيج السلاح؟ - اخبارك الان, اليوم الخميس 1 مايو 2025 12:12 صباحاً
نشر في الشروق يوم 30 - 04 - 2025
مرة أخرى يعود شبح الحرب ليخيّم على سماء شبه القارة الهندية، تصريحات قادمة من باكستان بالأمس، أفاد فيها وزير الإعلام بأن لدى بلاده معلومات استخباراتية تؤكد أن الهند تخطّط لرد عسكري خلال ال 36 ساعة القادمة، تحذيرٌ لا يُمكن اعتباره مجرّد ورقة سياسية عابرة، بل إشارة قوية إلى تصعيد جديد قد يكون الأخطر في تاريخ البلدين النوويين.
الهند وباكستان، القوتان النوويتان منذ عقود، والخصمان اللدودان منذ تقسيم شبه القارة سنة 1947، خاضتا ثلاث حروب كبرى وعددا لا يحصى من الاشتباكات الحدودية، إلا أن ما يلوح في الأفق اليوم ليس مجرد توتّر عابر، بل احتمال لحرب مباشرة في زمن دولي مضطرب أصلا.
في المشهد الحالي، لا يبدو أن الأمر يتعلّق فقط بصراع ثنائي، فالتوتر الإقليمي بين نيودلهي وإسلام آباد يتقاطع بشكل عميق مع الصراع العالمي بين الولايات المتحدة والصين، ما يجعل من هذه المواجهة المحتملة شرارة قابلة للاشتعال في رقعة شطرنج دولية مترنّحة.
فالتحذير الباكستاني العلني بهذا الحجم وبهذه الصيغة الزمنية الدقيقة، يكشف حجم الخطر الداهم، إذ من النادر في السياسة الإقليمية أن تُطلق الدول تصريحات على هذا النحو إلا إذا كانت تمتلك معلومات مؤكدة أو إذا كانت تريد توجيه رسالة دولية عاجلة لردع الخصم واستقطاب الضغوط الدبلوماسية.
ورغم أن الهند لم تصدر حتى الآن ردا رسميّا على هذه التصريحات، إلا أن التجارب السابقة، خاصة بعد عملية "بولواما" سنة 2019، تُظهر أن أي تحرك عسكري من أحد الطرفين يُمكن أن يتطوّر إلى تصعيد واسع النطاق.
وما يزيد المشهد قتامة هو أن كلا البلدين يمتلكان ترسانة نووية معتبرة، مع قدرات صاروخية هجومية يمكن أن تحول أي مواجهة مباشرة إلى كارثة إقليمية وعالمية، ففكرة المواجهة النووية لم تعد مجرد سيناريو خيالي، بل احتمالٌ وارد، ولو من باب الردع أو الخطأ في التقدير.
ووفق معاهدة دولية متخصصة في قضايا الأمن النووي، فإن مواجهة نووية محدودة بين الهند وباكستان يمكن أن تُخلّف مئات الآلاف من القتلى في الساعات الأولى- لا قدّر الله-، وتُدخل الاقتصاد العالمي في دوامة اضطرابات كارثية، خاصة أن البلدين يقعان في قلب آسيا، ويتقاطعان مع ممرات استراتيجية للطاقة والتجارة العالمية.
وما لا يُقال صراحة، أن هذا التوتر ليس معزولا عن التنافس بين الصين والولايات المتحدة في آسيا، فباكستان تُعد حليفا استراتيجيا لبكين، بينما تسعى الهند لتعزيز علاقاتها الدفاعية والاقتصادية مع واشنطن، لذا فإن أي مواجهة مفتوحة بين الطرفين ستكون محط أنظار عواصم القرار الكبرى، وربما ميدانا جديدا لتصفية الحسابات الجيوسياسية.
هذا التشابك الجيوستراتيجي يجعل من الأزمة الراهنة عنصرا مهددا لاستقرار النظام العالمي برمته، خاصة في لحظة زمنية تشهد تصاعد النزاعات في أوكرانيا، في الشرق الأوسط، وفي بحر الصين الجنوبي.
ولا شكّ أن العالم الذي لم يتعاف بعد من تداعيات جائحة كوفيد-19 وأزمة أوكرانيا، لا يحتمل مزيدا من التوترات الجغرافية التي تُربك الأسواق وتزيد في ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، فجنوب آسيا بتركيبتها السكانية والاقتصادية تمثّل عمقا استراتيجيا للعالم الصناعي، وأي اضطراب فيها ستكون له ارتدادات مباشرة على حركة التجارة وأسواق البورصة وسلاسل الإمداد.
ومن الثابت أن المرحلة الراهنة تتطلب دبلوماسية ذكية، وجهود وساطة حقيقية، وما على الأمم المتحدة، والدول الفاعلة في مجموعة العشرين، إلاّ أن تتحرك بسرعة من أجل احتواء التوتر ومنع الانزلاق إلى حرب مدمرة، فكل تأخير في التفاعل مع مؤشرات الخطر يعني تكرار دروس الماضي، حين لم تؤخذ التهديدات على محمل الجد، إذ أن ما يحدث بين الهند وباكستان ليس شأنا داخليا ولا حتى إقليميا، بل اختبار حقيقي لمدى قدرة العالم على تجنّب المواجهة المفتوحة في عصر السلاح النووي.
هاشم بوعزيز
.
0 تعليق